عز الدين البغدادي
يمكن أن نفهم أسباب
حدث تاريخي كبير كثورة الحسين من خلال رؤيتنا لفلسفة الحدث، فمن يرى أن الحسين خرج
لأجل أن يقتل فعليه أن لا يتعب نفسه بالبحث، ومن يعتقد أن هناك أسبابا موضوعية
للحدث فيمكنه أن يبحث في الواقع السياسي وفي الظروف التاريخية ليتكشف أسباب الثورة.
ومن خلال النظر يمكن
أن تكتشف أسبابا متعددة للثورة، ومن أهمها:
• تولّي يزيد الخلافة:
لم يكن يزيد الخليفةَ الأوّل من خلفاء بني أميّة، فقد سبقته فترة طويلة نسبيّاً
تولّى الحكم فيها معاوية بن أبي سفيان، وهو الّذي أسّس ما أسّس من جور نال الأمة
بأجمعها كما نال أهل البيت. ورغم أنّ السلبيّات التي حصلت فيما بعد كانت من تأسيس
معاوية؛ إلا أنَّ فترة حكمة لم تكن بتلك الخطورة التي وصلت إليها الأمور في عهد
يزيد لشدّة خطورتها وتوسيّع مدى انحرافها عن جادّة الشريعة. لقد كان تولي يزيد بن
معاوية لمنصب الخلافة كارثة حقيقية حلّت بالأمة بكل المقاييس، لذا فقد قال الحسين:
وعلى الإسلام السلام إذ ابتليت الأمة براعٍ مثل يزيد.
لقد عرف عنه الرجل
أنه بعيد تماما عن الدين، كما كان شخصا لا يمكن أن يعتمد عليه في أي شيء، فقد كان
أسير لشهواته ورغباته الرعناء، وقد كان هذا أمرا واضحا لدى جمهور الناس. لقد كان
يزيد بشخصه ومنهجه يمثل تحديا خطيرا لنهج الإسلام، بل لوجوده، وهذا يعني أن الثورة
أصبحت أمرا ضروريا، وهذا أمر يمكن أن يدركه أي إنسان مؤمن ومدرك لطبيعة الظرف، فلم
يكن ممكنا أن يبايع الحسين ليزيد بن معاوية، إذن ماذا بقي مما يمكن أن يعقل أو لا
يعقل أو يقبل أو لا يقبل؟! لذا فقد كان موقف الحسين حازما وصارما وهو يقول لوالي
المدينة: إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا
ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه
المنزلة، ومثلي لا يبايع مثله.
وهذا التشخيص هو ما
عبّر عنه عبدالله بن حنظلة الغسيل الذي علّل الثـــــورة على يزيد بن معاوية، حيث
قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بحجر من السماء.
• تثبيت الوراثة
كمبدأ لتداول السلطة: كذلك، فإن تولّي يزيد الحكم كان تثبيتا لمبدأ خطير وغريب عن
الإسلام وهو مبدأ الحكم الوراثي الذي دفعت الأمة ولازالت ثمنا كبيرا بسببه، وقد
كان هناك رفض حقيقي لهذا الرأي من كثير من الصحابة وأبنائهم، وهو ما عبّر عنه عبد
الرحمن بن أبي بكر إذ قال: والله ما الخيارُ أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن
تجعلوها هَرَقْليَّة، كلما مات هرَقْل قام هِرَقْل.
• الشعور بالمسؤوليّة:
لقد أثبت الإسلام مبدأ المسؤولية كما قال النبيّ (ص): "كلّكم راعٍ وكلّكم
مسؤول عن رعيته" فالمسلم مسؤول أمام الله عن رعاية مجتمعه، والحسين، ومن مثل
الحسين لتمتلئ نفسه بهذا الشعور الّذي لا يكون حاضراً عند كثيرٍ من الناس إذا
اشتدّ الأمر وتأزمت الأوضاع.
الحسين يشعر
بالمسؤولية ويتألم وهو يرى ما يرى من تضييع الحقوق وسفكٍ للدماء، فكيف وهو يرى
الكتب تترى ويتوالى بعضها إثر بعض تبايعه وتدعوه إلى الخروج والنهضة. إذن، لم
يستطع الحسين أن يهمل ذلك العدد الكبير من الرسائل التي وردته من العراق والتي
تطلب منه المجيء إلى العراق، فكان ينظر إلى أنّ تكليفه يقتضي منه أن يستجيب لتلك
الدعوات ولا يهملها.
وهذا ما أشار إليه
عليّ حيث قال: أما والذي فلق الحبّة وبرأ النَّسَمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة
بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم؛
لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرَها بكأس أوَّلها. ولألفيتم دنياكم هذه أزهد
عندي من عفطة عنز.
فقيام الحجّة بوجود
الناصر أوجبت عليه أن يخرج، لا سيما بعد أن بلغ الفساد ما بلغ من القوم.
• وجود فرصة للتغيير:
لقد تحمّل جور معاوية، بسبب الدماء التي سفكت والآن وقد هلك معاوية ما معنى أن
يبايع يزيد وهو من أصل لم يكن مقتنعا ببيعة معاوية؟ لذا كانت هناك فرصة لرفض هذه
البيعة، وأن يأخذ البيعة لنفسه من المسلمين، وهذا أقل ما يجب حفاظا لأمر الله،
ورفعا للظلم، وإبعادا لهذا العابث عن هذا المنصب.
• لو لم يبعث إليه
أهل الكوفة لكان بين أحد خيارين، فإما أن يرفض البيعة فيقتل وإما أن يضطر لبيعة
حفاظا على بيضة الإسلام أو حفاظ على نفسه. وربما لو أرادوا قتله لقاموا بحملة
تشهير ضدّه حتى يكون قتله مقبولا والتشهير لم يسلم منه حتى عليّ. وقد أعلن أن بني
أمية لا يتركونه فقال لأخيه محمد: لو دخلت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني
حتى يقتلوني.
• رأى الحسين أنّه
المؤهّل لأن يتحرّك ضدّ يزيد، فهو له من التأثير ما ليس لأحدٍ من هؤلاء الّذين كان
من الممكن أن يكون لهم موقف رفض لحكم يزيد، وهو قاد على تحريك الضمير والعاطفة. فأراد
أن يفعل شيئا بالشهادة لا لغرض الشهادة.
• ما تعرض له أنصار
أبيه وشيعته قبل الثورة من مظالم لا يمكن إهمالها، ففي عهد معاوية وهو أحلم وأعقل
من يزيد حدث شيء كثير من ترويعٍ لشيعة عليٍّ؛ حيث تعرّضوا في عهده لضروبٍ من المحن
والبلاء، فقد أمعن معاوية في ظلمهم وارهاقهم وفتك بهم فتكا ذريعا، وراح يقول
للامام الحسين: يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم وكفنّاهم
وصلّينا عليهم ودفناهم.
وكان من ذلك قتل حجر
بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وصيفي بن فسيل ورشيد الهجري وغيرهم. وكان من ذلك
صلبهم على جذوع النخل ودفنهم أحياءً وهدم دورهم وعدم قبول شهادتهم وحرمانهم من
العطاء.
فكيف بعد أن صار
الأمر إلى يزيد؟
0 تعليقات