آخر الأخبار

انتهى عهد الطائف




 

 

عمر حلمي الغول

 

 

شكل زلزال مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس محطة إنعطافية نوعية في مسيرة وصيرورة تطور الدولة اللبنانية، وحسب ما أعلن  الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، في مؤتمر صحفي في ختام زيارته السريعة للبنان اليوم الخميس (6/8/2020) للتضامن مع الشعب اللبناني: "ما قبل 4 أغسطس ليس كما بعده، إذ أن وقع الانفجار كان كبيرا، وهو أشبه بالصاعقة لقيامة لبنان أقوى مما كان." وأثناء جولته في العاصمة بيروت، وتحديدا في منطقة الجميزة، قال للجماهير اللبنانية المحتشدة للقائه لتعبر عن سخطها ورفضها للنظام اللبناني:" لست هنا لتقديم الدعم للحكومة أو النظام، بل جئت لمساعدة الشعب اللبناني." وأضاف " انا هنا وسأقترح عقداً سياسيا جديدا بعد ظهر اليوم (يقصد أثناء لقائه مع الرؤساء الثلاثة : عون وبري ودياب في قصر بعبدا)، وسأعود في الأول من أيلول لمتابعته." وجزم قاطعا " إن لم يستمع لي المسؤولين سيكون هناك مسؤولية أخرى من قبلي تجاه الشعب." تلويح واضح بالعصا الغليظة، وقطع مع ما هو قائم.

 

 

وللتخفيف والتلطيف من لغة الإملاءات السياسية قال زعيم فرنسا " لا يمكنني أن احل مكان الحكومة والرئيس، إلآ أن المسؤولية على هؤلاء كبيرة، وهي بإعادة بناء ميثاق لبناني جديد، وحان وقت تحمل المسؤولية." وكأن لسان حال الرئيس ماكرون يقول أمامكم ثلاثة أسابيع حتى مطلع أيلول القادم لوضع صيغة ميثاق جديد، مختلف تماما عما تتعاملون به منذ العام 1989. بتعبير آخر انتهى وولى عهد ونظام لبنان السياسي المستند إلى وثيقة أتفاق الطائف، الذي وقع عليه أمراء الحرب الأهلية اللبنانية في 30 أيلول / سبتمبر 1989 في مدينة الطائف السعودية، وتم إقراره بقانون بتاريخ 22 تشرين أول / أكتوبر 1989، منهيا بذلك صفحة الحرب الأهلية، وفتح صفحة النظام السياسي القائم حاليا، والذي انتهت صلاحياته، وآن أوان دفنه، وبناء نظام سياسي جديد يرتكز على النقاط، التي عرضها الوصي الفرنسي على الزعماء اللبنانيين، وهي:

 

 

أولا إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح من ميليشيا حزب الله؛ ثانيا تفكيك جميع مخازن ومؤسسات الحزب من بيروت والضاحية الجنوبية؛ ثالثا تسليم مطار بيروت لقوات مشتركة دولية برئاسة ألمانيا؛ رابعا انتشار اليونيفيل في بيروت وجبل لبنان، وتثبيت طرادات بحرية قبالة بيروت وصولا للجنوب؛ خامسا تفكيك جميع منظومة الصواريخ والأسلحة للحزب في الجنوب، وتسليم المراكز لليونيفيل؛ سادسا استقالة مجلس النواب وعلى رأسهم نبيه بري والحكومة، وإجراء انتخابات سريعة ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية فورا؛ سابعا طرد لائحة بالأسماء الأمنيين المشبوهة انتماءاتهم وتطهير الأجهزة الأمنية؛ ثامنا في حال رفض المسؤولين هذه المطالب سيصدر قرار عن مجلس الأمن خلال 10 أيام يقضي بتكليف حلف الناتو تولي فرض الأمن في لبنان.

 

 

من قراءة النقاط الواردة يتضح أن الوصاية والانتداب الفرنسي أولا والغربي الرأسمالي ثانيا عادت إلى لبنان باتت الممر الإجباري، أو في طريقها للعودة.

 

ومن الأفضل من وجهة نظر ماكرون للزعماء الحاليين تسليم أوراق النظام بهدوء.

 

ولن يكون مسموحا لهم لعب أي دور لاحقا، وإن سمح له بدور ما، فهو بالضرورة دور ثانوي وشكلي. وهو ما يعني عمليا أيضا انتهاء عهد حزب الله كقوة مهيمنة وفاعلة في المشهد اللبناني، واعتقد انه سيُعطى فرصة كي يسلم سلاحه ومخازنه بهدوء، أو الذهاب لحرب متعددة الأطراف تشارك بها إسرائيل وحلف الناتو وبإشراف فرنسي أميركي. لا سيما وان إعادة هيكلة النظام اللبناني عميق الصلة بالصراع الدائر في المنطقة العربية، وهو جزء من معادلة تقسيم النفوذ الجديد بين الأقطاب الدولية. أي أن زيارة الرئيس ماكرون للبنان لم تكن من باب الصدفة، أو التضامن مع الشعب اللبناني، بل كانت زيارة معدة سلفا، وقبل الانفجار، وتم الترتيب لها مسبقا. ولم يعلن ما أعلن عنه ماكرون على الملأ وداخل الغرف المغلقة من باب الترف، أو حسابات شخصية، أو معزولة عن ما يدور بين الأقطاب العالمية المتنافسة على النفوذ في العالم.

 

 

لكن وحسبما أعتقد، لن يقبل حزب الله، ولا إيران من خلفه القبول بالتسليم بالشروط والإملاءات الفرنسية الناتوية، وبالتالي سيدخل لبنان مرحلة شد الأيدي، وعض الأصابع بين القوى المتصارعة.

 

بيد أن استشراف المعادلة القادمة في الداخل اللبناني وفي المحيط العربي والإقليمي لن يكون في مصلحة إيران وحزبها، لأن القطاع الأوسع من اللبنانيين حتى داخل مدن وقرى الجنوب اللبناني والضاحية بيروت لن يتورطوا مع حزب الله في أية معركة جديدة، وسيتردد الكثير من مقاتلي الحزب في الاشتراك في الحرب القادمة، ليس رفضا لخيار المقاومة، ولا استسلاما للوصاية الفرنسية الناتوية الجديدة، ولكن كفرا بما أفرزته التجربة القائمة، ورفضا للكثير من الخطايا والأخطاء التي ضربت مرتكزات الحياة في المجتمع اللبناني.

 

 لبنان الجديد قادم لا محالة، ويسير بخطى حثيثة ليرى النور قريبا جدا.

إرسال تعليق

0 تعليقات