آخر الأخبار

* ويبقى الوضع على ماهو عليه !! *

 

 

 

 

وتبدأ فصول المأساة يوم وفاة والدي يرحمه الله عام ١٩٩٤ م ، وفي أثناء التعازي ، حين أعلن ابن عم لي ترشحه لمجلس الشورى ، ألجمتني المفاجأة حتى حسبته يمزح ، لكنه أكد ذلك وقال بأن ترشحه ليس بمزاجه ، وإنما هو اختيار من الأستاذ كمال الشاذلي والأستاذ صفوت الشريف والأستاذة سوزان مبارك حتة واحدة ، وأنهم ألحوا عليه ودفعوه إلى ذلك دفعاً ، حتى أن سوزان مبارك اتشحتفت أمامه - ياحبة عين أمها - لكيّ يقبل !!.

 

 

حاولت أن أثنيه عن عزمه ، فقد كنا صديقيّن حميميّن علاوة على صلة الدم والمصاهرة أيضاً ، فأنا أعرفه تماماً ، ربما يكون تاجراً شاطراً أو رجل أعمال ناجح ، لكنه لم يتعلم ولايفك الخط ، وليس له أي طموح سياسي ، ولا انشغل يوماً بالقضايا العامة ، ولا بالشأن الوطني ، ولايعرف الفرق بين الكوميسا والحلبسا ، ولا بين الناتو والتاتو ، ولا بين اليونسكو والديسكو ، لكنه أصرّ وقال بأن نجاحه مؤكد ومضمون ، وبالتالي أنا أعلنته برفضي ومعارضتي ، وأنني لن أشارك في تلك المهزلة مهما كان الثمن ، بل سأكون ضده ، فعندما يتعلق الأمر بالوطن فلا قرابة ولا دم ولا مصلحة تعلو عليه !!.

 

 

اجتمعت العائلة واستدعوني لكي يثنوني عن موقفي ، فهذه نقطة ضعف في حملته الانتخابية ، أن يكون ابن عمه ضده ، وكانت العائلة والبلد كلها معه ، إلا أنا ونفر قليل من الشرفاء الذين يحملون نفس توجهي وقناعاتي ، لكنني رفضت بشدة ، وحاولت أن أشرح لهم وجهة نظري ، فهم أهلي ، لكن هيهات ، فقد كانت عقلية القبيلة والمصلحة مسيطرة على أذهان الجميع !!.

 

 

واستمرت هذه المأساة عشرين عاماً ، ظل فيها عضواً في مجلس الشورى ، وظللت أنا رافضاً لذلك ، وهو ينجح في كل دورة ، ويحاول أن يقنعني بالتراجع ، بالترغيب تارة وبالترهيب تارات ، حتى أتي لإبني بتأشيرة من سامح فهمى وزير البترول الأسبق للعمل في إحدى شركات البترول ، فرفضتها دون تردد ، وأسمعته كلاماً أوجعه ، حين قال بأن هناك مَن يدفع خمسين ألف جنيه للحصول على تلك التأشيرة فقلت له ومَن الذي أوصل الناس إلى هذا المصير المأساوي ، أليس فسادكم ، لقد عُينت أنا في وظيفة مرموقة بطلب عليه ورقة دمغة بعشرة قروش !!.

 

 

لكنه للحق خدم غالبية الأهل والناس ، خدمات شخصية مباشرة ، فقد ألحق نصف شباب العائلة بشركات البترول والغاز والكهرباء والنيابة ، والباقي بالكلية الحربية والشرطة ، والغريب أن غالبية مَن خدمهم لايذكرونه بخير ، ولايترحمون عليه ، بل تنكروا لما قدمه لهم ، لأنه لم يكن لوجه الله والوطن ، ولأنه كان يمُن عليهم بخدماته ويعايرهم بها !!.

 

 

وأيقنت أنه لايخلق السلاطين إلا العبيد ، فقد رأيت أستاذاً جامعياً يُقبّل يده ، ويصعد على السلم ليُعلق صورته على الحائط ، وكبار القوم يسعون للسلام عليه ، ونيّل رضاه ، والتبرك به ، ويعتبرون كل كلامه حِكماً ، وكل نكاته الجنسية تهلك من الضحك ، وكل رغباته أوامر !!.

وأيقنت أيضاً أن الناس قسمان ، أصحاب مصالح وهم الكثرة الغالبة تحت ضغط الحياة وقسوّتها ، وأصحاب مبادئ وهم قلة ضئيلة قابضة على الجمر ، تدفع ثمناً غالياً لتمسكها بتلك المبادئ !!.

 

ولكن ، أيقنت وتأكدت جداً ، أنه كان يحترمني في داخل نفسه ، وقد صرّح بذلك لإخوتي ، ويتعجب من صمودي واستغنائي ، حتى اتهمني مرة بالجنون !!.

 

وأظن أن الصورة كماهي الآن ، لاشئ تغير ، والوضع كما هو منذ ثلاثين عاماً أو يزيد ، وكل شئ كما هو ، وكما تركه مبارك ، وبحطة يده ، تبت يداه !!.

 

* مأمون الشناوي *

إرسال تعليق

0 تعليقات