علي الأصولي
في حديث الإمام الصادق (ع) قال: ( كان عمنا العباس نافذ البصيرة ،
صلب الإيمان ).
وعن كتاب - مقاتل الطالبيين - لأبي الفرج، روي الشيخ أبو نصر
البخاري بإسناده عن الفضل بن عمر، عن الصادق (ع) أنه قال: رحم الله عمنا العباس
كان والله نافذ البصيرة، صلب الإيمان، قتل مع أخيه الحسين ( عليه السلام ) بالطف،
ومضي في سبيل الله شهيدا.
من أراد معرفة العلاقة بين سيدنا العباس بن علي (ع) وبين أخيه
الإمام الحسين(ع) فما عليه إلا الوقوف على طبيعة المحاورات والمواقف الكربلائية.
ومن أراد معرفة مقامات العباس (ع) المعنوية فما عليه إلا التجول في
الزيارات المعصومية وماهية الكلمات التي ساقها المعصوم بالخطاب،
ولك أن تكتفي بما نص عليه الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وشهادته
الاعلائية بحق هذه الشخصية الفذة بما نصه ( رحم الله عمنا العباس كان نافذ البصيرة
) ولا مزيد إيضاح لهذه النص المعصومي.
وفي هذه المناسبة. انقل نصا تاريخيا نقله - الطبري - في تاريخه ج٦
ص257 - مفاده:
زعموا أن العباس بن علي قال لأخواته من أمه وأبيه عبد الله وجعفر
وعثمان: يا بني أمي تقدموا حتى أرثكم. فإنه لا ولد لكم. ففعلوا وقتلوا ، انتهى
النص.
ونص أبو الفرج الأصفهاني في - مقاتل الطالبين - على أنه: قدم أخاه
جعفر بين يديه، لأنه لم يكن له ولد ليحوز ميراثه العباس، فشد عليه هاني بن ثبيت
فقتله، انتهى.
إذن: هنا ثمة تقاطع ما بين النص المعصومي وما بين التاريخ المنقول،
ولا ريب بأننا مع النص المعصومي بلا كلام. ولكن مع ذلك لا مانع
ومناقشة المنقول التاريخي. كون أن النص قد يختلف في حجيته من لا يرى حجية لنفس
المعصوم وشهادته. وهنا ننتقل لمناقشة النص التاريخي لبيان هذا النقل وما نعتقد،
الطبري كما في نصه، وكما قلت في أبحاث ومقالات سابقة مهمته الأصلية
النقل بصرف النظر عن صحته وهذا هو منهجه وعليه فلا يمكن اتهامه بالتبني- تبني هذه
الفرية على مقام العباس بن علي (ع) - بل وكما تلاحظ ذكر الطبري أعلاه ما يؤيد ذلك
بقوله ( زعموا ) أي من نقل أو نقلوا هذا النص فلاحظ.
وأما الأصفهاني أبو الفرج وبغض النظر عن كونه أمويا من الناحية
النسبية - لم ينقل النص من عندياته بل من غيره وكيفما كان: لم ينقل النص أو الفرية
غير ما نقله الطبري والأصفهاني فتكون من متفرداتهم. وما ينفرد فيه لا يمكن
الاعتماد عليه إلا مع شواهد وقرائن ونحو ذلك..
ويمكن نقض هذا النص التاريخي بما يلي:
أولا: لا يمكن أن نتصور أن العباس بن علي(ع) في ذلك الموقف وهو
يفكر هذا التفكير الدنيوي فهو معيب أخلاقا وعرفا ولا يناسب مكانته كفارس وعربي
وابن إمام واخو إمام........
ثانيا: لازم هذا النص هو جهل العباس - وحاشاه - بمسائل الميراث،
لان الأم - أمهم أم البنين - في الحياة ولا حيازة للأخ مع وجود الأم بلحاظ كونها
من الطبقة المتقدمة على الأخ!
فإن جهل العباس هذا الحكم الميراثي فلا نتصور من كان مع العباس
يجهله أو أي فقيه في زمانه!
ثالثا: أن وجود إخوة للعباس كعبيد الله بن النهشلية والأطرف
يشتركون معه في الميراث - إذا اغضضنا النظر عن الأم وقلنا أنها ميتة - بل يشاركهم
الإمام الحسين (ع) وأخته زينب (ع) وأم كلثوم ورقية بنفس الميراث. فلا اعرف ماذا
يستفاد العباس بالميراث مع وجود غيره من يقاسمه الحصة على فرض القول أن أم البنين
متوفية قبل واقعة الطف والدليل خلافه!
رابعا: الدينوري في كتابه - الأيام الطوال - ذكر أن العباس قال لإخواته:
تقدموا بنفسي انتم وحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه، فتقدموا جميعا وقتلوا، أنتهي.
ونص الدينوري متوافق مع المشهور التاريخي ولا يتعارض مع النصوص
المعصومية. وعليه فترجيحه على غيره هو المتعين،
خامسا: استظهر جملة من الإعلام قول العباس - بعد افتراض صحة النقل
- لإخوته - لا ولد لكم - أي ليس لكم أولاد تخافون عليهم بعدكم.
سادسا: احتمل الشيخ الحلي عبد الحسين في - النقد النزيه ج١ص٩٩ -
تصحيف ( إرثكم ) من ( أرزا بكم ).
أقول: هذا الاحتمال بعيد إذا لاحظنا الجملة التي بعدها ( لا ولد
لكم ) وأما إذا أغضضنا الطرف عن هذه الجملة ( لا ولد لكم ) فالاحتمال قريب.
وبالتالي لا يمكن الذهاب لهذا الاحتمال لوجود الجملة التي تليه.
وصاحب( الذريعة) قال يحتمل تصحيف ( إرثكم ) والصحيح ( أرثيكم )..
أقول: وهو كما ترى الإشكال عليه نفس الإشكال. وهو الاستبعاد بعد
ملاحظة الجملة ( لا ولد لكم ) المبعدة لما احتمله بعض الأعلام،
والحمد
لله رب العالمين.
0 تعليقات