في الرد على " شُبهة"
: ناصر دخّلنا حروب وخسرنا حربين :
قبل أن نبدأ في الرد
من الأهمية بمكان معرفة على مَن تعود الـ" نا" في " دخّلنا" و
" خسّرنا" . و بعد ، في موضوع الحروب : هل بإمكانك أن تحمل مشروعاً
وطنياً نهضوياً ، إن لم يكن سيزاحم في السوق ، أو على الأقل سيجعل الدول
الإستعمارية تخسر سوقاً تستهلك منتجاتها وستحرمها من النهب المنظم للموارد الخام
اللازمة لصناعتها ؟!
يعنى لا يمكن منطقياً
ولا تاريخياً ، إغفال أن صعود دولة تبحث عن الاستقلال يمكن أن يتّم بعيداً عن مسار
إجباري تواجه فيه الكثير من الصراعات الباردة أو الساخنة ( الحروب ) . مسار يلزمها
فيه الانتصار في حصاد أهدافها ، بعد صد ورّد و نجاحات و إخفاقات وانتصارات
وانكسارات لا تمنعها من تحقيق الحسم لصالحها في خاتمة الشوط .
وعلى هذا المقياس
دعونا نستذكر كيف تعامل الغرب مع مشروع محمد علي ، عندما حاول هذا الأخير بناء
دولة حديثة على النمط الفرنسي ، فوجد حتمية للاستقلال بعيداً عن الدولة العثمانية
، بمثل ما وجد نفسه مُضطراً ( بحكم الحداثة ) لضرب الحركة الوهابية في عُقر ديارها
. فماذا كان موقف الغرب الذي وجد نفسه بين خيارين : إما الانحياز للمشروع الحداثي
المصري أو مؤازرة الرجعية العثمانية ؟!
لم يكن مدهشاً ( لأي قارئ
تاريخ ) أن ينحاز الغرب ( بلا تفكير ) لرجعية العثمانيين ، ودولتهم العجوز التي
ينخر فيها سوس الفساد ، الذي لم يمنعها من قهر العرب و لجم طاقاتهم ، مقابل مشروع
محمد علي الطموح ، الذي سيزاحم الغرب في السوق وسيبني برجوازية مصرية حديثة ،
يمكنها أن تضع مصر على قدم المساواة مع القوى الأوروبية الخمسة الكبار آنذاك ، فتم
ضرب التجربة المصرية بقسوة مُفرطة ، و في لندن جرى إجبار محمد علي على ابتلاع
طموحاته ، و إرجاع مصر لحدودها الضيقة بشروط استعمارية ( كان أهمها تقليل عدد
الجيش الذي كان قد بلغ ربع مليون ، لأقل من 18 ألف جندي ، وفتح البلاد على
مصاريعها للواردات الأجنبية ، لتمويت فرص التصنيع المحلي ) حتى كان الانهيار
الكامل على يد توفيق ... الذي جلب الاحتلال السافر ، مرّة أخرى بعد 40 سنة ، فقط
على معاهدة لندن وشروطها المُجحفة !
فهل نلوم محمد علي
على طموحه ونتمنى عودة التبعية التركية ، ودفع كامل إنتاج مصر كـ" خراج للباب
العالي" ؟! أم نعتبر التجربة ككل محاولة مصرية نجحت في حصاد بعض أهدافها و
أخفقت في أُخرى ؟!
القياس ذاته يصلح
للحكم على التجربة الناصرية ، ( كتجربة إنسانية ) بما يُفسٌر لماذا أقامت جنوب إفريقيا
قبل 3 سنوات ، تمثالاً للرئيس عبد الناصر في العاصمة جوهانسبرج ، ومن قبلها أقامت
فنزويلا فى عاصمتها كاراكاس ، تمثالاً مماثلاً .
فالرجل تحول ( بتجربته
المُلهمة ) إلى رمز إنساني نضالي وقائد عالمي لحركة التحرر ، و إلا ما كانت القوى
الاستعمارية ، تناصبه العداء الى اليوم ، وفي مقدمتها انجلترا ، التي تُحمّله
مسؤولية إسقاط الإمبراطورية البريطانية التي غربت شمسها ، بعد السويس .
يبقى السؤال : لماذا
كانت الحروب ؟! ولماذا لم ندخل حروباً من 47 سنة إلا حروباً ممتدة بطول السنوات
الكامب ديفيدية ضد الإرهاب من الصعيد الى سيناء وما بينهما ؟!
و الجواب يتلخص ( ببساطة
) فى كلمتين : لأنك صرتَ تفعل بنفسك ، ما كانت تفعله معك الترسانة الحربية الاستعمارية
: تدير النهب المنظم لمواردك الشحيحة ... تُكبّل نفسك بالقروض ... ترعى انحسار
التعليم والفنون مقابل تغلغل الرجعية الدينيّة .
إذا خرجت من هذه
المحددات ، ستداهمك الحرب ، ويجب ان تدرك أن هذا كله ليس مرتبطاً بمصر وحدها ، فهو
قانون امبريالي يسري على كل مَن كان له مثل ظروفنا وراجع سريعاً ما كان من حروب في
شبه الجزيرة الكورية، مروراً بحرب ڤيتنام وحرب تفتيت الاتحاد اليوغوسلاڤي ودعم
الانقلابات العسكرية الموالية لأميركا في أميركا اللاتينية، ودعم التشدد الإرهابي
فى أفغانستان والشيشان وحروب الأفيون في الصين والحرب الباردة التي أسقطت في
نهايتها الاتحاد السوڤياتي ، بدون طلقة أميركية واحدة !
قبل أن نضع نقطة
الختام : نحن لا نسعى لتبرير أخطاء حدثت ، ( فلا يمكن أن تُعصم من الأخطاء والزلل
؛ أي تجربة إنسانية ) بل نسعى للإضاءة على تفاصيل ربما أسهم وضعها في حيز التفكير
العقلاني في إعادة التموضع من تجربة تعرضت لخيانات خسيسة، و طعنات بالصدر والظهر
على السواء
والتى كشفت عن بعضها
محطة "روسيا اليوم" بعرضها خطاب فيصل السعودي لكسينجر يرجوه التعجيل
بتوجيه ضربة عسكرية لناصر لأنه يُذكّره بمحمد علي !
ولو أنه ليس سواء مَن
طلب الحق فأخطأه و مَن طلب الباطل فأصابه . وببساطة ( نرجو ألا تكون مُخلّة ) لا
يمكن لعاقل ( على فرض إمكانية ذلك ) أن يجلس لمحاسبة تجربة تاريخية بالقطعة ،
فالأَجدى بالتوقف عنده هو جردة الحساب الختامي . و خاصة أننا على بُعد نصف قرن من
رحيل الرجل ، بما يعني إمكانية إجراء مقارنة مُنصفة بين تجربتين مصريتين :
* تجربة الاستقلال
الوطني و التصنيع الوطني و الإرادة الوطنية بأُفقها العالم ثالثي و بمشروعها
القومي التحرري . التي خاضت حروباً وصراعات مريرة.
·
وبين تجربة التبعية الكاملة و الانزواء التام و التمحور كقنفذ برّي حول ما
روّج لنا كـ " مصلحة مصرية" .و اتضح لكل ذي عينين أن المصلحة الوحيدة
الغائبة فيها كانت هي " مصلحة مصر" التي صارت على ما ترونها عليه اليوم:
أَضيع من الأيتام على موائد اللئام ! __
_______________
مصطفى
الأحمر ( بتصرُف )
على الهامش :
هل تعلم أن كيان
العدو الإسرائيلي قام بتنظيم جسر جوّي لمدة عامين شمل 14 طلعة بطائرات نقل ضخمة
لإسقاط أسلحة وذخائر وأدوية وأموال لإمام اليمن المخلوع وقواته لمساعدته ضد القوات
المصرية المؤيدة للثورة اليمنية بقيادة المشير عبد الله السلال .
و قد تم الاتفاق على
الجسر مع بريطانيا والسعودية في عملية أعطوها اسماً كودياً ( “القنفذ” ) وفيها
حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق الأراضي السعودية تفاديا لكشفها أو تعرضها لنيران
مصرية ؟! .
0 تعليقات