د. محمد إبراهيم بسيوني
التطورات في أوروبا إنذار مبكر لنا. الموجة الثانية من وباء
الكورونا تبدأ بعد عودة الحياة وترتفع مع زيادة معدلات عدم الالتزام وستختلف
الموجة الثانية من دولة إلى أخرى بحسب سرعة التراخي في الالتزام بالإجراءات
الاحترازية.
ومن التوقع أن تبدأ في منتصف سبتمبر وأن تكون قوتها من 1.2 إلى 1.7
من قوة الموجة الأولى من ناحية عدد المصابين وهذا يعني افتراضياً أن العالم خلال
الشهور الستة التالية بدءً من منتصف سبتمبر ولمدة ستة أشهر قد يرى إصابات جديدة في
المتوسط 29 مليون شخص. هذا بالطبع هو عدد الإصابات المتوقع إحصاؤه بافتراض بقاء
طاقة إجراء الاختبارات ونمطها على ما هي عليه الآن.
أما عدد الوفيات فلا يمكننا طبعاً التنبؤ به لأن الزيادة في أعداد
الإصابات من شأنها اختبار مستويات لم تتعامل معها الأنظمة الصحية في المرحلة
الأولى، وفي نفس الوقت فإن الخبرات وكمية المعلومات التي تم رصدها خلال الموجة
الأولى ربما تقلل نسبة الوفيات.
ولا نغفل هنا أن تجارب فاشلة في المرحلة الأولى كالدعاية لأدوية
معينة على أنها علاج مع عدم تأثيرها حقيقة أو تأثيرها السلبي. وبالتالي فبين أن
نكون قد تعلمنا وبين أن نبدأ في أخطاء أخرى جديدة وبين خبرات مكتسبة، كل هذا من
شأنه تغيير نسبة الوفيات
ورغم أن كل هذا يقول أنه ربما تقل نسبة الوفيات إلا أن مخاوفي من
أن تكون فترة المناعة قصيرة، ومع مشاهدات كثيرة ترجح أن الأشخاص الذين يعانون
بالفعل من حالات مرضية مزمنة هم الأكثر عرضة للوفاة بفعل الفيروس.
فإن ظهور حالات تكرار الإصابة (على ندرتها) هي مؤشر خطير. ففي حين
لا يمكن بناء استنتاجات علمية على أساس حالتين إلا أن الحالة الثانية المسجلة كانت
قد عانت من أعراض بسيطة في الإصابة الأولى ثم أعراض خطيرة في الإصابة الثانية.
هذا يعني أنه (في بعض الحالات على الأقل) سيكون الضرر الذي سببته
الإصابة الأولى هو في حد ذاته سبباً لزيادة أثر الإصابة الثانية. لكن (مرة أخرى) هذه
عوامل متضاربة قد يزيل بعضها أثر البعض الآخر بسبب وجود استعداد لإنتاج الأجسام
المضادة أسرع مما حدث خلال الإصابة الأولى.
كما أن هناك أعداد ممن أصيبوا وتم شفاؤهم دون أن يعرفوا ذلك ودون
أن يتم إحصاؤهم. وهؤلاء رغم نسبتهم القليلة لإجمالي عدد السكان إلا أنهم يمثلون
الفئة الأكثر عرضة للإصابة، لكن المهم من كل هذا الكلام إننا نعرف أمرين ..
1- حجم الموجة الثانية ليس قانون ولا نسبة ثابتة لكل دولة. وقد
تعاني بعض الدول أضعاف دول أخرى. حجم الموجة الثانية سيعتمد على عدد المصابين
الموجودين في كل دولة بدون أعراض مع قدر الإهمال في اتباع الإجراءات الوقائية.
2- نجاح الأنظمة الصحية في عمل اختبارات على عينات عشوائية
للمواطنين من الفئة الأكثر احتكاكاً (كمقدمي الخدمات والسلع المباشرة مثلاً) على
أن تكون عينات ممثلة لهذه الفئة بشكل جيد وموزعة جغارفياً بشكل جيد.
لن تستطيع أغلب الحكومات ولا يجب عليها أن تطبق إغلاقاً تاماً
طويلاً للمرة الثانية. ولكن الأداة الأمثل ستكون الإغلاق القصير بالتبادل بين
مناطق جغرافية بعينها. وسيقتصر الإغلاق الكلي على فترات الذروة فقط والتي أظنها
ستكون في نهاية ديسمبر وبداية يناير وسيختلف من دولة لأخرى.
طبعاً قد يتغير شكل كل هذه التوقعات إذا تأكد لنا نجاعة أحد
اللقاحات سواء ما تم الإعلان عن نجاحه أو ما يظل في خانة التجارب. ولا يخفى عليكم
أن العالم غير مقتنع بما تم الإعلان عنه حتى الآن لغياب نتائج التجارب السريرية
المعتادة لتقييم الأثر الإيجابي والسلبي لكل لقاح.
تعايشنا وتأقلمنا بذكاء وحذر كأفراد مع العودة التدريجية للحياة
مهمة جدا وستحدد مسارنا. في الموجة الأولى قد نلوم الحكومة والجهات الصحية ولكن
الموجة الثانية وارتفاعها تعتمد على وعي والتزام أو إهمال الأفراد.
0 تعليقات