علي الأصولي
التبعيض في الاستدلال!
عندما تعرض رواية تاريخية تعزز الموقف المذهبي. وبصرف النظر عن
طبيعتها. سوف تجد الأصوات داعية وغض الطرف في موضوعة الاسنادات أو المسانيد بدعوى
أنها قصة أو حدث تاريخي وفي مثله لا نحتاج إلى إثبات ( العنعنة ) أو دراسة ورواتها
إذ يكفي فيها وما يسمى الاطمئنان بالصدور بعد جمع القرائن ونحو ذلك.
بينما لا تجد هذا الموقف في المرويات التاريخية والتي يحاول
المستدل والذهاب لخلافها.
ولذا تجد أول مناقشة لرواية ( رجل من بني فزازة ) ضعف السند لعدم
معرفة اسم الناقل وهل هو ثقة أم لا !؟
وعليه. أجد ضرورة الالتزام بمنهجية إستدلالية بعيدة عن التبعيضية
لان ( الباء) واحدة وهي تجر والأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد. فتفطن!
مناقشات استدلال النافي!
أهم مناقشة حول نفي الهوى العثماني سجلت في المقام ما حاصلها:
في رواية ناقل الخبر يقول كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة
نساير الحسين (ع) ومن المعلوم أن الحسين (ع) خرج قبل إتمام الحج ,فخرج في يوم
التورية في يوم (8 ذي الحجة) وزهير أتم حجه وخرج في(13ذي الحجة) إذن الفارق الزمني
بينهما يقارب (5) أيام, وكلمة نساير هي عكس كلمة نقتفي أثره .
ربً معترض يقول بان الحسين(ع)ولكونه مع العيال كان يسير سيراً
بطيئاً مراعاة للعائلة فيمكن للزهير أن يدركه فيسبقه مرة ويتخلف عنه مرة أخرى.
وللإجابة أقول:
1ــ ذكر أصحاب السير أن الإمام (ع)خرج من مكة يجد السير ولا يلوي
على شيء.
2-إن الهمة التي يمتلكها الإمام(ع)والمهمة التي جاء من اجلها تتطلب
حث السير وعدم التواني.
3 - هناك من ذكر أن هناك رجلان من بني أسد لم يدركا الإمام إلا بشق
الأنفس ويؤيد هذا ما رواه الطبري في تأريخه، عن الرجلين الأسديين: «قالا: لما
قضينا حجّنا لم يكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره
وشأنه، فأقبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود...).تاريخ الطبري: 302 -
303 -.
4ـ إن الحسين(ع) قطع المسافة بين مكة والكوفة في (24) يوماً وتقدر
المسافة بين مكة والكوفة(
ويقدر المسافة بين مكة وزورد بنحو (
مع العلم انه عثماني الهوى فما الدافع الذي يدفعه للسير بجد حتى
يلحق بالأمام الحسين(ع )...
إذن هذه الرواية منفية بأن يكون زهير قد ساير الإمام الحسين عندما
أقبل من مكة الى الكوفة.
ولعل سائل يسأل إذا كان زهير يريد الالتحاق بالأمام الحسين(ع)
فلماذا انتظر حتى يرسل له رسولاً ثم يأبى أن يرد على دعوة الإمام الحسين(ع) لولاً
تدخل زوجته كما مر في رواية الطبري والبلاذري.
أن هناك من عاصر الطبري والبلاذري من الكتاب ولم يذكر قصة امتناع
زهير ومنهم ابن أعثم الكوفي ـ المعاصر لكل من الطبري والبلاذري ـ يروي قصة هذا
اللقاء ـ بدون أي ذكر للعثمانية أو للامتناع ـ قائلا : (ثم مضى الحسين - ع - فلقيه
زهير بن القين ، فدعاه الحسين - ع - إلى نصرته فأجابه لذلك ، وحمل إليه فسطاطه ،
وطلق امرأته ، وصرفها إلى أهلها وقال لأصحابه : إني كنت غزوت بلنجر مع سلمان
الفارسي فلما فتح علينا اشتد سرورنا بالفتح فقال لنا سلمان : لقد فرحتم بما أفاء
ألله عليكم ! قلنا نعم . قال : فإذا أدركتم شباب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه منكم بما أصبتم اليوم . فأنا أستودعكم ألله تعالى !
ثم ما زال مع الحسين - ع - حتى قتل ) (مقتل الحسين - ع - للخوارزمي ج1 ص 323 ) .
أذا قلنا بصحة الرواية ,وأن زهير لم يلبِ دعوة رسول الإمام (ع )
إلا من خلال زوجته .فلو كان مواليا لما توانى في إجابة الدعوة .
ولي على ذلك عدة أجوبة بشكل أطروحات .
1ـ يمكن القول أنه أراد الخير لزوجته لكي تحصل على ثواب المؤازرة
والحث على تلبية نداء الإمام الحسين (ع).
2ـ أنها أعطت لزهير المخرج أمام أصحابه في تلبية النداء.
3ـ بقاءه على التقية المكثفة خلال هذه الفترة ,حتى يلتقي بالأمام
ويعرف منه , مثل حبيب بن مظاهر الأسدي ,فهو لا ينقض التقية إلا بأمر من المعصوم.
ذكر بعض الأمور من شأنها نفي العثمانية عنه..
1ـ تشبيه بمؤمن آل فرعون .
الذي يكتم إيمانه قال تعالى{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَ} [غافر : 28
عندما تكلم زهير مع القوم وابلغ في النصح , شبه الإمام بمؤمن آل
فرعون. قال فناداه رجل من خلفه: يا زهير، إنّ أبا عبداللّه يقول لك:
أَقْبِلْ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في
الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لونفع النصح والإبلاغ! (1) تأريخ الطبري، 3: 319 –
2ـ لم يرد من المعصوم أنه تاب ولم يذكر التاريخ أنه اشترك في حرب
ضد المعصوم .
3ـ أن زهير (رض) قد وطن نفسه للشهادة بين يدي أبا عبد الله الحسين
(ع) وذلك من خلال:
اـ تذكره واقعة بلنجر
غزونا بلنجر ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان :
أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وأصبتم من المغانم ؟ فقلنا : نعم . فقال لنا : إذا
أدركتم شباب آل محمد ( ص) فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ،
فأما أنا فإني أستودعكم الله ، قال : ثم والله ما زال أول القوم حتى قتل معه (3) .
تاريخ الطبري : 3 / 302-
بـ ـ تذكره واهتمامه بأخبار أل البيت (ع) وذلك من خلال كلامه مع
العباس : أن صاحب كتاب (أسرار الشهادة) نقل هذه الواقعة قائلا : (قيل : أتى زهير
إلى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل فقال له : يا أخي ناولني الراية !
فقال له عبد ألله : أو فيَّ قصور عن حملها !؟
قال : لا ولكن لي بها حاجة !
قال : فدفعها إليه وأخذها زهير وأتى تجاه العباس إبن أمير المؤمنين
(ع)
وقال : يا بن أمير المؤمنين أريد أن أحدثك بحديث وعيته !
فقال : حدث فقد حلا وقت الحديث ! حدث ولا حرج عليك فإنما تروي لنا
متواتر الإسناد !
فقال له : اعلم يا ابا الفضل أن أباك أمير المؤمنين (ع) لما أراد
أن يتزوج بأمك أم البنين بعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفا بأنساب العرب ، فقال له :
يا أخي ، أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي
أصيب منها ولدا شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا ـ واشار على الحسين عليه السلام ـ
ليواسيه في طف كربلاء ! وقد إدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن
إخوتك ..) (أسرار الشهادة ص 334)...
الخلاصة:
أن زهير بن القين لم يكن يوما عثماني الهوى بل كان مواليا لآل
البيت (ع) محبا لهم لكن الظرف الذي عاشه فرض عليه أن يعيش في تقية لم ينقضها إلا
بأذن من الإمام الحسين (ع ) وما التقاه بالإمام الحسين (ع) في زرود الا لكونه قد
خرج ليلتحق بالركب الحسيني. انتهى.
إذن هذه أهم مناقشة عرضت في المقام عند النافين وهناك مناقشة أخرى
للشيخ محمد صنقور سوف نتعرف عليها في قابل الكلام.
0 تعليقات