علي الأصولي
أرسل الأمير المنتصر مصعب بن الزبير برسالة مفادها الالتحاق بدولة
آل الزبير على أن يبقى بمكانته القيادية وامتيازاتها الاستثنائية. ولو لم يعرف
الأمير المنتصر نفسية ورغبة وميول إبراهيم لما فاتحه بهذه المفاتحة على طريقة
مفاتحات القادة الخونة!
ومع أن هناك رسالة شامية وصلت لإبراهيم بنفس المضمون والدعوة
لاطاعة عبد الملك ولكن فضل إبراهيم الخضوع بالطاعة لآل الزبير وخاف من المروانيين
الذي قتل أشاوس قادتهم في المعارك الأخيرة. وليس لسبب آخر مبدئي رفض عرض سلطات
الشام!
والغريب أننا نجد الخطيب الباحث الشيخ عقيل الحمداني يعزو التحاق
إبراهيم لمعسكر آل الزبير بدعوى الاضطرار والدخول في هذا الحلف!
على أن الأحلاف نتصورها بين الدول عادة لا مع الجيوش التي انهارت
قيادتها العليا وضلت بلا دعم مركزي إضافة أن العرض الزبيري من الوضوح بمكان ودعوة
الطاعة بعد المبايعة ولا معنى والجواب التبرعي ودعوى الاضطرار بالدخول لهذا الحلف
إذ لا حلف بالحقيقة هناك بل بيعة وطاعة فقط وفقط!
وحتى أن ابن نما الحلي ذكر في (ذوب النضار) بما حاصله:
لما سمع إبراهيم بن مالك الاشتر بمسير مصعب إلى الكوفة ولم يأتيه
الخبر ولا أثر قبل ذلك. تحرك من نواحي الجزيرة يريد الكوفة لادرك المختار. فدخل
مصعب إليه مدخل عظيم فأرسل إليه الرجال والكتب والعهود المواثيق الممغلظة والأمان
على نفسه وماله وجنده، وتوليه ما تحت يده من الأعمال فوثق ... ولم تطل المدة لمصعب
بالكوفة حتى خرج إليه من الشام عبد الملك بن مروان متوجها إلى الكوفة فخرج مصعب في
أهل العراق وابن الأشتر ومن معه في جيش عظيم حتى التقيا، ووقعت بينهما الحرب.....
وحاول الباحث التفحص من الأشكال بدعوى أن هناك نصوصا تاريخية لم
تصل لنا وإلا كيف نتصور إبراهيم أن يتحالف مع مصعب بن الزبير؟
واجد أن دعوى عدم الوصول لنص تاريخي وهذه الجزئية لا تكفي لغض
النظر عن الإشكال الشرعي والأخلاقي الذي تورط فيه ابن الاشتر،
وعليه فلا معنى والتمسك بتنزيه الرجل بناء على استحسانات السيد
محسن الأمين أو الشيخ القمي عباس في كتابه ( الكنى والألقاب ) لان كل ما ذكروه من
مدح فهو بلا مستند غير النزعة المذهبية!
وفي معركة دارت بين إبراهيم بن مالك ومحمد بن مروان قبل يوم واحد
من المنازلة الكبرى. منازلة عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير.
هزم إبراهيم وقتل على إثر خيانة عتاب بن الورقاء التميمي الذي
تراجع على موطأة مع عبد الملك. وقد اختلفت آراء من ارخ في تاريخ المقتل. فزعم ابن
الأثير والطبري ذكرا بناء على إحدى الروايات عام (71 هجرية / 690 ميلادية ) إلا أن
أكثر المؤرخين، يرون أنه كان (72 هجرية / 691 ميلادية ) هذا أهم ما جاء عن الواقعة
كما في عدة تواريخ كالكامل لابن الأثير والمنتظم لابن الجوزي والطبقات الكبرى لابن
سعد. والأغاني لأبو الفرج الأصفهاني وتاريخ البخاري الصغير. والبلاذري في انساب
الإشراف. والأيام الطوال للدينوري. والمسعودي في مروج الذهب.
وكيف كان: وبما أنه لم نحرز مدحا معصوميا لسلوك الرجل وتقلباته فلا
مناص والبقاء في أفق التاريخ والتحليلات المستخلصة وعرضها تحت السقف الشرعي
والأخلاقي لمعرفة واقع الرجال. وإلى الله تصير الأمور.
تأملات فى تاريخ الرجال : أمراء الحروب (إبراهيم بن مالك الاشتر) أنموذجا !! (2)
0 تعليقات