عمر حلمي الغول
قبل عامين تقريبا
أتيح لي زيارة المنطقة الشرقية من ليبيا، وجلت مع الوفد الذي كنت عضوا فيه على عدد
من المواقع الهامة ذات الصلة بالحرب الأهلية، وشاهدنا بأم العين حجم الدمار
الهائل، الذي خلفته الميليشيات التكفيرية في بنغازي وغيرها من المدن والقرى
الليبية. كما ونظم لنا (نحن أعضاء الأمانة
العامة للمؤتمر الشعبي العربي) الأخوة
الليبيون جولة لزيارة عدد من المواقع التاريخية، من أهمها، كانت زيارتنا لضريح
الشهيد البطل عمر المختار، وكذلك زيارة وادي الجريب في منطقة الوادي الأخضر، حيث
أعتقل هناك المجاهد من قبل القوات الاستعمارية عام 1931.
وآنذاك تركز الحوار
بين ممثلي القوى العربية المشاركة في الاجتماع في الثلث الثاني من شهر كانون ثاني /
يناير 2019 على القضايا القومية ذات الصلة واهما العمل على وحدة القوى القومية
والديمقراطية العربية، وكيفية مواجهة الهجمة الصهيو أميركية الإخوانية ومن والاهم
في كل الساحات والدول العربية.
استحضرت بعض ملامح
زيارتي لليبيا اليوم، وأنا أقف أمام ذكرى إعدام القائد العربي الليبي الشجاع، عمر
المختار التي حلت يوم الأربعاء الماضي الموافق 16 أيلول/ سبتمبر الحالي (2020) ال89،
ذلك القائد الذي مَّثل روح الفداء والبطولة والتضحية في مواجهة المستعمرين الإيطاليين.
وهو ما شجعني على الكتابة عنها الآن لدلالتها السياسية والكفاحية الوطنية والقومية
والإنسانية.
شرع شيخ المجاهدين
الليبي في الكفاح، وهو في عمر ال53 عاما، وقاد المعارك البطولية لأكثر من عقدين من
الزمن ضد الطليان المستعمرين آنذاك، وحقق انتصارات عدة، رغم بدائية الأسلحة، وقلة
التجربة الكفاحية، ومنها معركة فزان أواخر كانون ثاني / يناير 1928، عندما حاول
الطليان السيطرة عليها، وخرجت لذلك الهدف قوتان من غدامس ومن الجبل الأخضر بهدف
تصفية قوات الثورة الليبية بقيادة الشيخ المجاهد المختار، ولكنهم فشلوا، مع ان
المعارك استمرت لمدة خمسة أيام متوالية، وتمكن (المختار) من دحرهم، والانتصار
عليهم. وأيضا من المعارك الهامة، كانت معركة "أم الشافتير" (عقيرة الدم)،
التي شكلت نقطة تحول وانعطافة هامة في مسيرة الكفاح التحرري الليبي، حيث شرع في
إعداد إستراتيجية جديدة، وأعاد تنظيم قواته في فرق صغيرة، وخطط لما يعرف بحرب
العصابات.... إلخ من المعارك البطولية التي قادها وخاضها مع أقرانه البواسل ضد
الطليان.
وكانت المعركة
الفاصلة في حياة شيخ المجاهدين عندما حاول الجيش الإيطالي دخول مدينة بنغازي، وكان
آنذاك يقوم بتفقد مواقع المقاتلين في وادي الجريب، وهو وادي عظيم في الجبل الأخضر،
مما دفعه للالتحام مع جيش الأعداء في وسط الوادي، ورغم عدم تناسب القوى، بيد ان
قوى الثورة بقيادة المختار تمكنوا من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف الإيطاليين،
وبالمقابل سقط عددا من الشهداء، وأصيب البطل بيده، وأصيبت فرسه بضربة قاتلة. مما
مكن الأعداء من القبض عليه، وإجراء محاكمة صورية له في يوم الأربعاء الموافق 16 أيلول
/ سبتمبر 1931، ثم أعدموه في تمام التاسعة صباحا في منطقة سلوق جنوب شرق مدينة
بنغازي، حيث أقيم ضريحه هناك. استهدف الأعداء من إعدام الشيخ المجاهد إضعاف الروح
المعنوية، وإدخال وبث الرعب والهزيمة في أوساط أبطال المقاومة الشعبية الليبية،
وإفقادهم رأس القيادة لتشتيت قواتهم، ومحاولة نشر الفتنة بينهم لتمزيق وحدتهم، غير
أنهم فشلوا.
ومن الأقوال المأثورة
لشيخ الشهداء عمر المختار أثناء محاكمته: " إنني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي
في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح، ونحن لن نستسلم ... ننتصر أو نموت، وسوف
تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم، أما أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي."
وهذا ما تؤكده سيرورة
التاريخ، فالشيخ المجاهد المختار رحل منذ 89 عاما، ولكنه مازال خالدا وعنوانا للبطولة
والشموخ الليبي والعربي عموما. ومازال مصدر إلهام لكل المدافعين عن حرية أوطانهم
وشعوبهم. وستبقى تجربته الرائدة في الكفاح التحرري مدرسة للمناضلين الليبيين
والعرب إسوة بكل تجارب القادة العرب الميامين ومنهم عبد القادر الجزائري، وقادة
الثورة الجزائرية والزعيم الخالد جمال عبد الناصر، والشهيد صدام حسين والشهيد
الرمز المؤسس ابو عمار وكل القادة المناضلين من الثورة الفلسطينية المعاصرة. هؤلاء
جميعا وغيرهم من أبطال الحرية العرب سيبقوا نقطة الضوء وبوصلة الكفاح التحرري
لشعوب الأمة عموما. التي سترد على عار الاستسلام والتطبيع الخياني مع العدو الصهيو
أميركي آجلا ام عاجلا.
0 تعليقات