عمر حلمي الغول
في
التاريخ أشخاص يتربعون على عرشه بعض الوقت، ويصنعون مجده، ويرتقون بمكانتهم
الشخصية، ومكانة شعوبهم، وأممهم وحتى البشرية كلها، وبالمقابل يلقي التاريخ أشخاصا
تبؤوا مراكز القرار في دولهم على مزابله، ويحذف بهم إلى مستنقعات آسنة ونتنة،
ويدون ذكراهم بمداد من الوحل، ويصفهم كوصمة عار في سجل الأمم، وليس في تاريخ
شعوبهم.
من
الطراز الثاني يحتل بجدارة دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الحالي هذا
الموقع، لأنه قبل وبعد وصوله لمركز القرار في البيت الأبيض عام 2017، وهو يعيث
فسادا في الأرض، وليس في أميركا وحدها. جاء مسكونا ب"الأنا" العالية
والمتضخمة، نرجسيا وفاسدا حتى النخاع. وأعلن منذ بداية توليه الحكم شعاره على مواقع
التواصل الاجتماعي "ترامب 20 .. 24 ..28 .. 32 ...إلخ" بمعنى آخر انه
باق في الحكم إلى ما لا نهاية له، ولن يسلم الحكم وفق الدستور الأميركي لمن يليه
من الرؤساء، وفي اسوأ سيناريو في حال تم تجديد انتخابه لولاية ثانية في الثالث من
تشرين ثاني/ نوفمبر القادم (2020) لن يترك كرسي الحكم عام 2024.
وهذا
ما أكده يوم الأربعاء الماضي الموافق 23/9/2020 في مؤتمر صحفي عندما رد على سؤال
احد الصحفيين، فيما إذا كان مستعدا لنقل السلطة لخليفته بشكل سلمي في مطلع كانون
ثاني/ يناير 2021، قائلا : "يجب ان نرى ما سيحصل." بتعبير آخر يرفض من
حيث المبدأ تسليم الحكم لجو بايدن في حال حالفه الحظ في الفوز بالانتخابات القادمة.
مما أثار عاصفة بين مكونات الحزبين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، رفضا
للفضيحة وجنون العظيمة، والتغول في استباحة مواد ومعايير الدستور والديمقراطية
الأميركية. وجاء الرد من بين ابرز الجمهوريين، زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، ميتش
ماكونيل يوم الخميس (24/9)، الذي وعد تعقيبا على تصريح ترامب، بالنقل السلمي
والمرن للسلطة عقب انتخابات الثالث من نوفمبر القادم في حال فاز المرشح الديمقراطي.
وهو ما أكده أيضا السناتور الجمهوري، ميت رومني،
عندما قال "إن ابداء اي تردد بشأن تطبيق ما يضمنه الدستور "أمر لا يعقل،
وغير مقبول." وكتب تغريدة على توتير جاء فيها: " النقل السلمي للسلطة
أمر أساسي للديمقراطية، بدون ذلك سنكون أشبه ببيلاروس."
وكان
جو بايدن، منافس ترامب سارع بالتعليق على تصريحات خصمه، قائلا "في أي بلد
نعيش؟" وأضاف "هو يقول أكثر الأمور غير العقلانية. لا اعرف ما اقول."
وفي ذات السياق، علق بيرني ساندرز السناتور اليمقراطي، أن الرئيس دونالد ترامب "مستعد
من جانبه لتقويض اليدمقراطية الأميركية من اجل البقاء في السلطة."
مشددا
على ضرورة ترك ترامب السلطة في حال خسر الإنتخابات.
وعندما
أضطر المتحدث باسم البيت الأبيض، كايلي ماكيناني التأكيد على ان "الرئيس
سيقبل بنتائج انتخابات" أرفقها
بكلمتين ملغومتين، وأشبه بالقنبلة الموقوتة، عندما قال إن الرئيس ترامب
مستعد للقبول بالنتائج، لكن في حال كانت الانتخابات "حرة ونزيهة". وهو
ما يعني التشكيك منذ الآن بنتائج الانتخابات، وفتح قوس الهروب من تلك النتائج من
الآن. لا سيما وان استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم جو بايد، المرشح الديمقراطي.
ومن
الجدير بالذكر، ان قيادة الحزب الديمقراطي دعت حكام الولايات الديمقراطيين لاجتماع
خشية حدوث تطورات دراماتيكية في الساحة الأميركية في حال فاز مرشحهم، وطالبتهم
بوضع قوات الأمن الوطني في ولاياتهم على أهبة الاستعداد للرد على استخدام تاجر
العقارات القوات الفيدرالية لفرض سياسة الأمر الواقع، كسيناريو قابل للتطبيق. لا
سيما وان ساكن البيت الأبيض لم يخف نزعاته، وطموحه بالبقاء في كرسي الحكم، وعدم الاستعداد
لإخلاء مركز الحكم.
نعم
ترامب هدد ويهدد مكانة ووحدة وعظمة أميركا، ووضعها على مشرحة التمزيق والتفتيت
نتاج غطرسته وجنون العظمة، الذي يسكنه، ونتاج رفضه وتمرده على معايير القانون
والدستور، وقادم الأيام وحده كفيل بالإجابة عن كل التكهنات والسيناريوهات.
الرئيس
دونالد ترامب يشبه ميخائيل غورباتشوف الروسي، الذي فكك الإتحاد السوفييتي في 26
كانون اول/ ديسمبر 1991، مع الفارق الكبير بينهما، وبين ظروف كل منهما. كلاهما دخل
التاريخ، ولكن من ابشع وأسوأ واضيق ابوابه، وكل منهما الحالي والسابق ذهب وسيذهب
لمزبلة التاريخ، وستلعنهما شعوبهم وشعوب الأرض قاطبة.
0 تعليقات