آخر الأخبار

ذكرى رجال صنعوا التاريخ

 




 

عمر حلمي الغول

 

تتزاحم ذكرى رحيل نخبة من رجالات الشعب والأمة العربية في أيلول الأسود من كل عام أسوة بكل شهور السنة. لا سيما وان كل يوم من أيام السنة له في ذاكرة الشعب مكانا وبصمة يمزج ما بين  النكبة والمذبحة والنصر، ما بين جريمة الحرب والإنجاز، ما بين الموت والبقاء، ما بين الإحباط والهزيمة وروح الأمل. هذه هي سيرورة وصيرورة حياة الشعب العربي الفلسطيني، التي تسير في خط بياني متعرج صاعدا للأعلى مع حركة التاريخ، وستبقى بوصلة الكفاح تمضي قدما حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية.

 

 

رجال رحلوا إلى دار الخلود الأبدي، بعد أن قدم كل منهم ما استطاع دفاعا عن الحرية والكرامة والاستقلال والعودة، وعن الثقافة والمعرفة التنويرية، والارتقاء بمكانة ونهضة الأمة العربية. صنع كل منهم تاريخه بجدارة واقتدار، لم يستسلموا لصعوبات وتعقيدات الحياة والمعارك والمؤامرات، ولا لطعنات الأخوة الأعداء. حمل كل منهم رايته متقدما الصفوف كرقم وعنوان وعلم من أعلام اللحظة التاريخية التي عاشها. قد لا استطيع حصر كل الأبطال، الذين غابوا، وغيبهم الموت في مثل هذه الأيام. بيد أن محاولة استحضار بعضهم يشكل وفاءً لهم ولغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة على استحضار بطولاتهم ودورهم الرائد في الكفاح التحرري الفلسطيني والعربي. ومنهم

 

أولا، حلت اليوم الاثنين الموافق 28/9/2020 ذكرى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ال50. الرجل الذي تماهى مع روح ومصير القومية العربية، وحمل لوائها دون تردد، وسعى طلية سنوات حكمه ال16 للنهوض بشعوب ودول الوطن العربي الكبير.

 

 وحارب بجيش مصر البطل على أكثر من جبهة دفاعا عن الكل العربي وخاصة قضية العرب المركزية، فلسطين، وقدم تضحيات جسام وعظيمة قربانا عن حرية واستقلال وسيادة العرب على ارض وطنهم العربي الكبير من المحيط إلى الخليج. إنتصر وهزم، أصاب واخطأ، حقق أهدافا وفشل في أخرى. لكنه لم يحد لحظة عن خياره القومي، وتجلى وتعاظم دوره ومكانته في المشهد الوطني المصري والقاري والعالمي، وكان احد ابرز قادة حركة التحرر العالمي في القارات الثلاث: إفريقيا واسيا وأميركا اللاتينية، استشهد في ال28 من أيلول / سبتمبر 1970 بعدما أوقف نزيف الدم بين الثورة الفلسطينية وقيادة المملكة الأردنية. لم يرحل عبد الناصر، وسيبقى عنوانا ورمزا للقومية العربية إلى ابد الدهر.

 

ثانيا، وحلت أمس الأحد الموافق 27/9 / 2020 الذكرى ال38 لرحيل القائد الوطني الكبير سعد صايل بطل معركة اجتياح بيروت بامتياز، الذي اغتالته يد الغدر والخيانة في البقاع اللبناني صبحية عيد الأضحى المبارك، وهو متجه لمعايدة مقاتلي الثورة في 27 /9/1982 بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها العصابات الصهيونية والانعزالية اللبنانية، والتي مرت ذكراها قبل أيام قليلة. وتم اغتيال الجنرال البطل أبو الوليد، لأنه رفض التواطؤ على قيادة الثورة، ورفض المساومة الرخيصة مع الجبناء من العرب، الذين شاؤوا تطويع قيادة الثورة بعد خروجها من لبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 4/6/1982، وبعد حرب دامت 88 يوما وقف أهل النظام العربي الرسمي صامتون، ولم يحركوا ساكنا. لكن المغوار سعد صايل لم يهادن، ولم يساوم، ولم يبع القرار الوطني المستقل، وتمسك بثوابته الوطنية في وجه كل الطغاة الصهاينة وبعض العرب. سيبقى سجله الوطني ناصعا للأبد

 

ثالثا كما حلت ذكرى رحيل المفكر والأديب والفنان إدوارد سعيد الفلسطيني الأميركي السابعة عشر يوم الجمعة الماضي الموافق 25/9 /2020، صاحب مؤلف الإستشراق، الذي شكل نقلة هامة في اوساط المفكرين والمبدعين في محاكاة نظرية الإستشراق، وكان نقطة الضوء الأبرز في إبداعه الفكري، حيث كشف فلسفة المستشرقين الغربيين الإستعمارية، ونمطية سلوكهم غير النزيهة، كما وانتج العديد من المؤلفات، منها "تغطية الإسلام" و"القضية الفلسطينية" و"الأسلوب المتأخر" و"غزة – أريحا" ...إلخ، أضف إلى انه كتب عن الفن والموسيقى. ولا يمكن للسطور القليلة ان تفي قامة فكرية وأدبية وفنية عبقرية كإدوارد سعيد حقه. سعيد كان حالة متفردة في العطاء والقيمة والمعرفة والإبداع. لم يمت ابن فلسطين الباسل والعالم، لإن ميراثه المعرفي والفني سيبقى علامة فارقة في سجل العطاء الفكري

 

رابعا هذا وكانت لعنة أيلول عام 2007 حلت على رجل بقامة شعب، صاحب سيرة ومسيرة وطنية متميزة، عندما أختطف الموت الدكتور النبيل والمتواضع، حيدر عبد الشافي في 24/9/2007 عن 88 عاما، قضى جلها في الدفاع عن قضية شعبه وأمته العربية خلال ترحاله من فلسطين إلى لبنان إلى الأردن إلى أميركا، ولم يستسلم، ولم ينحنِ للعواصف، وبقي نظيفا، وخلوقا، ومتمسكا بالثوابت الوطنية، ورفض كل مظاهر الفساد، وكل الإتفاقايات، التي إعتقد انها هددت مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. حيدر عبد الشافي، كان عنوانا بارزا للوطنية الفلسطينية، إعتقل في سجون الإستعمار الإسرائيلي، وكافح بشجاعة ضد كل الأخطاء والخطايا في الساحة الوطنية، ولم يهب احدا، وكان رمزا متميزا في مدرسة العطاء الوطني. رحل ابو خالد قبل 13 عاما، لكنه ما زال خالدا، وسيبقى مدرسة للنضال الوطني الصادق. 

 

خامسا يوم الجمعة الماضي ترجل المناضل يونس الشيخ طه (أبو العبد يونس ) يوم الجمعة الماضي الموافق 25/9/2020 بعد رحلة طويلة مع المرض. والرفيق ابو العبد يونس كان من المؤسسين لحركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأيضا من المؤسسين لإتحاد العمال، وكان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني. وتبوأ مقعدا في المكتب السياسي للشعبية طيلة عقد من الزمان 1983 /1993، ومَّثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العديد من الدول الشقيقة في ليبيا والعراق، كما انه ألتحق بمركز الأبحاث الفلسطيني، وعندما تم تفجيره أصيب أنذاك.

 

ابن قرية الزيب قضاء عكا، حيث ولد عام 1938 تشرب وعيه السياسي مع تراجيدية النكبة عام 1948، ومع تشرده مع اسرته إلى مخيمات اللجوء في لبنان، حيث قطن مع اسرته مخيم برج البراجنة في بيروت العاصمة اللبنانية، واصل الكفاح ولم يتخلى عن حق العودة، ولا عن ثابت من ثوابت الشعب الوطنية، وكان رجلا خلوقا، ونبيلا، ومعطاءً، ووفيا لإنتمائه الوطني والقومي. وسيحفظ السجل الوطني المكانة المتميزة لإبو العبد يونس، كأحد أبطال الكفاح الوطني التحرري.

إرسال تعليق

0 تعليقات