آخر الأخبار

مسؤولية الأجيال الجديدة

 




 

عمر حلمي الغول

 

هناك محاولات أميركية إسرائيلية مسعورة لفرض التطبيع على عدد من الأنظمة العربية عبر سلاحي الترغيب والترهيب، واستعمال الأدوات المتواطئة الداخلية والعربية والإقليمية الرسمية لاختراق تلك الجبهات ليؤكد الرئيس دونالد ترامب نرجسيته وغطرسته، ومقولته الدائمة: "انا وعدت ونفذت" ولصالح الدولة الصهيونية الاستعمارية، ومن لم يأت بالخاطر، يأتي بالعصا الغليظة مرغما وطائعا وساجدا في حلبة قطيع التطبيع.

 

ووفق ما نشاهد على مسرح الوطن العربي الرسمي، تتوالى فصول مسرحية التطبيع الهزلية، الفاقدة القيمة والأهمية، التي كشفت عن فضيحة سقوط بشعة ودونية لرؤوس العديد من أنظمة الحكم في شرك العدو الصهيو أميركي، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وأيضا على حساب الأمن الوطني والقومي، والمصالح العربية المشتركة. وكأن التاريخ العربي يعيد نفسه بعد سقوط الدولة العباسية، ومع سقوط غرناطة والأندلس، عندما بدا التاريخ كالحا ومعربدا، وقاسيا، فافقد المشهد العربي الإسلامي بهاؤه، وعظمته،  وبدا بلا ملامح كما اللحظة التاريخية المعاشة، حيث سفور السقوط، وإماطة اللثام عن وجوه اللئام، وتدحرج الرؤوس والقيم وروح وعظمة الانتصارات على مدار الحقب التاريخية السابقة، وخاصة انتصارات الفتوحات العربية الإسلامية، وما رافقها من إنجازات علمية في مختلف صنوف المعرفة والبحث العلمي.

 

مواخير العرب المترامية في الأطراف والهوامش إنهارات في ظل تغييب لوعي الجماهير الشعبية العربية عموما وأجيال الشباب خصوصا، وجرى العمل على استغفالها، ورشوتها ببعض فتات الانفتاح والحريات البديهية والمستحقة منذ زمن بعيد، لأنها حقوق مشروعة للإنسان العربي، وهي ليست مِنةً من احد، ولا تعتبر إنجازا، ولا اختراقا بالمعنى الدقيق للكلمة، غير ان بعض الأنظمة حولتها كذلك!؟ وبالتالي ما تم مؤخرا من رشوة للأجيال الجديدة، كان يفترض ان يكون بيد الأجيال السابقة قبل خمسين عاما بحد أدنى، ولا أشاء الذهاب بعيدا في الزمن، لإن التحولات الجدية في الوطن العربي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية 1945، أي في مطلع الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

 

رغم تفهم ظروف ومعطيات وحاجات الأجيال العربية الشابة من الجنسين لعملية الانفتاح، بيد أنها مسؤولة أمام ذاتها أولا، وأمام شعوبها، وأمام أمتها العربية والتاريخ على حد سواء في الدفاع عن حقوقها، ومحاكمة كل من حجب عنها تلك الحقوق الإنسانية الأولية، التي كفلها القانون الدولي، وأيضا تحمل مسؤولياتها في الدفاع عن قيم وحضارة الأمة العربية، ومواجهة كل قوى العدوان والشر والإرهاب الصهيو أميركي ومن والاهم من عجم وإخوان مسلمين وفرقهم التكفيرية من "داعش" و"النصرة" و"القاعدة"، وغيرهم من الفرق المأجورة، التي استباحت أسم الجلالة في أحزاب أُنشئت لخدمة أغراض وأجندات إقليمية على حساب المشروع القومي العربي النهضوي.

 

نعم لا يجوز محاكمة الأجيال الجديدة بشكل اعتباطي وقاصر، وتحميلها أكثر مما تحتمل من المسؤولية عما أقترفه حكامها طيلة عقود خلت من استقلال دولها، وضرورة محاكاتها بلغة تفهمها، وتوضح لها دورها ومسؤولياتها للحؤول دون استباحة دولها وشعوبها والأمة بشكل عام، والعمل معها وفق منظومة فكرية سياسية عاقلة وراشدة، هدفها النهوض بالشباب، والارتقاء بدورهم ومكانتهم ليشكلوا رافعة استعادة أمجاد الأمة العظيمة، ووضع كوابح قوية لكسر الهجمة الاستعمارية الصهيو أميركية والقوى الإقليمية المستهدفة للمشروع القومي.

 

وعلى الأجيال الشابة وعي المخطط المعادي دون رتوش، وعدم الخلط بين حقوقها الطبيعية، وبين الجريمة البشعة، التي يجري تعميمها وإشاعتها في أوساطهم باسم "السلام" و"التسامح" وتحريف الدين وفق مخرجات الأنظمة المستلبة الإرادة وأسيادهم في البيت الأبيض.

 

والتمييز بين السلام الحقيقي والمشروع، وبين الاستسلام الرخيص والجبان أمام غلاة الإرهاب الدولي والإقليمي، لتتمثل دورها ومسؤولياتها الوطنية والقومية والإنسانية. لإن التاريخ لن يرحم كائنا من كان من الأجيال المختلفة وخاصة جيل الشباب في حال تمت عملية الإخضاع القسري لشعوب الأمة لمشيئة العدو الصهيو أميركي، وتمت استباحة الأنظمة الرسمية والشعوب بمقولات ومفاهيم ساقطة وواهية، ولا تمت لمصالح الشعوب وأمنها الوطني والقومي.

إرسال تعليق

0 تعليقات