آخر الأخبار

ستة أبعاد إنسانية عظيمة في عاشوراء

 





 

أحمد مبلغي*



لا شك أن حركة الإمام الحسين (ع) هي نهضة إلهية عظيمة، وتمتلك أعمق وأوسع المعاني والمفاهيم الدينية، غير أنها في الوقت نفسه تستبطن أبعادًا إنسانية عميقة وعظيمة، وهذه الأبعاد الإنسانية لحركة الإمام الحسين يمكن دراستها ومتابعتها والتعرف عليها من ست زوايا:



1-    خلق النهضة لمواقف لا يستقيم لها معنى إلا من منظور إنساني:

عندما أحضر الإمام الحسين عليه السلام الطفل الرضيع أمام الحشد، كان حديثه الأصلي وموقفه الأساسي: ما ذنب هذا الطفل؟

 

كما قال، عندما هاجم الجيش خيام الحرم في اللحظة التي فقد فيها الإمام قوّته على الوقوف والذهاب إلى الخيام للدفاع عنها:

 

"أنا الذي أقاتلكم وأنتم تقاتلونني، والنساء ليس عليهن جناح".

 

من الواضح تمامًا أن التركيز على براءة الأطفال وبراءة النساء في الحرب هو أمر إنساني، أي أنه أمر مشترك بين جميع البشر في كل الأعصار والأمصار، حتى من كان لديه القليل من الضمير البشري يفهم ذلك، وفي الحقيقة خاطب الإمام الضمير البشري.

 

لذلك يتضح أن هذا بُعد إنساني امتلكته نهضة عاشوراء ، ومن هنا فهذه نقطة انطلاق مهمة يمكن أن ننطلق منها فيما يتعلق بمعرفة الإنسانية العاشورائية، كي نفهم كيف كان يفكر الإمام الحسين في نهضته، وكيف كان يفكر في الإنسان وكيف كانت الإنسانية في عاشوراء؟



٢- احتواء النهضة للشعارات الإنسانية القوية والنقية:

ومن أهم هذه الشعارات، شعار الإمام الحسين (ع) الذي برز وتبلور في العبارة التالية له:

 

"إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أَحْرارًا في دُنْياكُمْ".

 

هذه الجملة كبيرة ومهمة جدًا، يشاهد فيها نوع من التقارب بين الدين والحرية الإنسانية، حيث تقدّم وتبين هذه الجملة دورا مهما يمكن أن تقوم به الحرية الإنسانية، كما يقوم به الدين؛ ذلك أن الإمام قصد منعهم من فعل بشع يتمثل في مهاجمة خيام أهل البيت، فوفقًا لهذه الجملة، فإن عدم هذا الهجوم يمكن أن تتم من أصل إنساني.

 

مع ذلك، فإنه يستفاد من سياق هذه الجملة أنه إذا كان لعدم الهجوم أصل ديني، فإنه يتمتع بمكانة أقوى.



٣- التركيز على الجهود ذات الأولوية لرفع عطش الأطفال:

 

في يوم عاشوراء، في الواقع ، جبهتان تواجهان بعضهما البعض ، جبهة لها كمال القسوة التي تجسدت في منع الماء من الوصول الى أهل الخيام، والنساء والأطفال، ولكن الجبهة المقابلة تشعر بالعطش بشكل أساسي، ومع ذلك كانت بشكل عام تولي رفع عطش الأطفال الأولوية، أي بقدر ما يظهر الجانب الآخر القسوة، فان مثل أبي الفضل العباس (ع) قبل أن يخوض الحرب وقبل أن يفكر في مقاتلة أعدائه يركز على إيصال الماء للأطفال أولاً وقبل كل شيء، وهذا التركيز على عطش الأطفال، قبل أي شيء وحتى قبل الحرب والذهاب إلى ساحة المعركة، يظهر أن البعد الإنساني في يوم عاشوراء كان فوق حتى الظروف الحربية والدفاعية.

 

والغريب أن أبي الفضل العباس عندما أتى شريعة الفرات كان عطشانا للغاية، وقد بلغ عطشه إلى درجة كاملة؛ لأنه كان قد قاتل، ومع ذلك لم يشرب الماء لأنه لا يستطيع أن يرى عطش الأطفال ومع ذلك يرى نفسه أنه يشرب الماء. أين يمكن رؤية هذه الملامح الإنسانية؟!

 

والغريب أن أبا الفضل العباس لما جاء إلى شريعة الفرات كان شديد العطش، وقد بلغ عطشه درجة كاملة (لأنه كان قد قاتل للوصول الى الشريعة)، ومع ذلك لم يشرب الماء؛ لأنه لم يستطع أن يشرب الماء في الوقت الذي كان يرى عطش الأطفال وعطش أهل الخيام وخاصة الإمام الحسين (ع).

هل من الممكن مشاهدة مواضع هنا وهناك في العالم تكاملت فيها الخصائص الإنسانية الى هذا الحد، بحيث يصل التركيز فيها على عطش الأطفال إلى ذروته؟



٤- بلورة العفو بتمام أبعاده في يوم عاشوراء:

 

العفو جزء من أخلاق الإنسان، ولعل العفو من أبرز مظاهر الإنسانية ، إذا لم نقل إنه أقوى رمز للإنسان، وقد أكد الإسلام على العفو كثيراً.

 

وواضح أنه كلما كبرت الجريمة زادت أهمية العفو الممنوح لها، ويبلغ العفو ذروته عندما لا يكون مصحوباً باللوم (كما تقول الآية: لا تثريب عليكم اليوم). الحقيقة أن العفو مهم وأساسي في عالم الإنسانية بقدر ما يمكن أن يقال: العفو مؤشر على الإنسانية، وقد تعامل الإسلام معها كمؤشر على أن الشخص الذي يغفر هو عبد صالح لله.

 

يوم عاشوراء عندما واجه الإمام الحر بن يزيد الرياحي (الذي ارتكب جريمة كبرى سابقا بمنع الإمام وأهله وأصحابه من الحركة) لم يوجه إليه أي عتاب، بل بكرامة عظيمة أعطى له كل العفو، وعامله بلطف عظيم وكبير.



٥ - انجذاب العديد من الشخصيات والمجموعات الإنسانية الى هذه النهضة عبر التاريخ.

 

لولا حقيقة أن الأبعاد والدوافع البشرية يمكن رؤيتها بكثرة في هذه الحركة، ولولا حقيقة أن جوهر هذه الحركة ليس إنكار الإنسانية بل قبولها وتبنيها، (وإن كانت تريد تقوية بعدها الإلهي)، لم يكن من الممكن - عبر التاريخ البشري - جذب شخصيات وجماعات إنسانية لهذه النهضة، من منطلق الضمير الإنساني.

 

في الواقع، لا بد من القول إن عاشوراء كانت في وضع تمكنت فيه من التصرف والتعامل بطريقة واضحة وشفافة بحيث أزيلت كل الستائر التي كان من الممكن أن تمنع العين من رؤية الحقيقة، فظهر الوجه الإنساني الحقيقي لحركة الحسين (ع) بكل ما في الكلمة من معنى.



٦- الإرجاع الى الأحساب:

 

هناك قيم ومبادئ عائلية تقوم على الكرامة والخير والمواقف الإنسانية التي غالبًا ما يكون لها وظائف وأدوار بشرية في المجتمع. في الكثير من الأحيان يعبر عن العائلات التي تراكمت فيها الأصالة والإنسانية، والتي لها حضور بشري وخيري في المجتمع، بأنها بيوتات نبيلة وصالحة، كما قد يعبر عنها بالأحساب الأصيلة.

 

ولا شك ان ذلك ظاهرة بشرية وفرصة إنسانية تخدم الخير والمجتمع. وأهمية العوائل النبيلة والوظائف التي تقوم بها في المجتمع، كبيرة جدا بحيث إن الإمام علي بن أبي طالب (ع) فتح لها حسابا خاصا في حديثه مع ولاته، يقول:

 

"ألصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم، وشعب من العرف".

 

والإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء ركز على الأحساب بقوله: "وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا".


0 - سماحة الشيخ آية الله مبلغى مرجع دينى ايرانى 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات