آخر الأخبار

أثر التطبيع على الأمن القومي

 


 

 

عمر حلمي الغول

 

 

من خلال المطالعة السريعة لمفاهيم وتعريفات الأمن القومي المجرد والعام للدول والشعوب والأمم، نلحظ ان المفهوم ومحدداته تطورت بتطور المجتمع البشري ككل، وانتقاله من حقبة لإخرى. لا سيما وان أمن الجماعات البشرية من القبيلة والعشيرة إلى مرحلة القوم وصولا للدولة بمستويات تطورها المختلفة من عصر النهضة حتى يومنا هذا، كان عنصرا أساسيا في حماية الجماعة من التهديدات الداخلية والخارجية، وكان يتركز على العامل العسكري، أو عامل القوة. لكن مع سيرورة التطور البشري لم يعد ممكنا اختزال الأمن بعنصر القوة والجيش وأجهزة الأمن، على أهميتها وأولويتها. لإن للأمن القومي أوجه عدة، منها: الاجتماعي والاقتصادي، والبيئي والصحي والثقافي التربوي.

 

وإذا دققنا جيدا في معاني وابعاد الأمن القومي، نجد انه لم يعد يقتصر على حماية حدود الدولة، ولا مياهها الإقليمية وفق قانون البحار، لإن هذا البعد لوحده يكون قاصرا، وكونه مرتبطا إرتباطا عضويا مع الأمن الإجتماعي، ونهوض وتطور المجتمع على الصعد المختلفة، وتكمن اهميته بوحدة النسيج الوطني والثقافي، وإعلاء روح الإنتماء للوطن والشعب وفقا لإحكام العقد الإجتماعي الناظم بين النظام السياسي والمحكومين (الشعب).

 

كما ان الأمن القومي ليس منفصلا عن الأمن الإقليمي، والأمن العالمي. ويخطىء من يعتقد ان الأمن القومي يعمل في الفراغ، وغير مرتبط مع دول الإقليم والمنظومة الدولية وفق معايير وقوانين ومواثيق ومعاهدات الشرعية الدولية. وبالتالي سلامة وأمن الدول مرهون بمعادلات دقيقة ووفق المصالح الخاصة والعامة، بتعبير آخر، ضرورة الأخذ بعين الإعتبار مصالح دول الجوار والإقليم. مع الإنتباه الدائم لإطماع الدول الأخرى بحدود وثروات الدولة، وإستنادا إلى طبيعة وتاريخ العلاقات الثنائية على مدار الحقب التاريخية المختلفة، هل هي علاقات تعاون أم علاقات صراع؟ هل هناك اطماع، أم حسن جوار؟ وما اثر العلاقات الثنائية او الجمعية بين دول الإقليم المركزية على بعضها البعض؟ وكيفية تعاطيها مع المصالح القومية لبعضها البعض؟

 

على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأميركية خصوصا، والأقطاب الدولية المركزية في العالم عموما، لا يقتصر أمنها القومي عند حدود الإقليم، انما بات يشمل العالم كله بما في ذلك البحار والمحيطات. وهذا ما عبرت عنه إدارة بوش الأبن بعد تدمير البرجين في 11 ايلول / سبتمبر 2001، بذريعة مواجهة "الإرهاب".

 

دون الإستطراد في الجانب التجريدي والعام، وبالتوقف امام الواقع الملموس، فإننا نجد، ان الأمن القومي العربي تاريخيا يتعرض للإخطار من دول الإقليم والأقطاب العالمية الرأسمالية، التي مازالت مسكونة بالنزعة الإستعمارية التقليدية والحديثة، وبعقدة الحروب الصليبية. فضلا عن قيمها الرأسمالية المرتكزة على مبدأ "إستغلال الإنسان للإنسان"، ولهذا أقامت دولة الإستعمار الإسرائيلية عام 1948 في فلسطين العربية كأداة وظيفية لخدمة البعدين الديني والإقتصادي الإستثماري وضمنا الأمني والثقافي، وإنعكاس ذلك على المنظومة الإجتماعية العربية عموما، وعلى كل دولة من دولة حقبة سايكس بيكو.

 

وكان من نتائج ذلك، انها شكلت تهديدا للأمن القومي العربي عموما، والأمن الوطني المصري خصوصا، لإنها الدولة المركزية في الوطن العربي، وكونها العمود الفقري للعرب. وبالتالي بقدر ما تكون مصر قوية، وقادرة على حماية امنها الوطني، بمقدار ما يمكنها من ان تشكل رافعة للعرب جميعا. وعليه فإن التطبيع الرسمي العربي من قبل بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين ومن سيلحق بهما مع دولة الإستعمار الإسرائيلية بعيدا عن محددات السياسة الرسمية العربية، المعمدة بمبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة، يشكل خرقا فاضحا وكبيرا، وعلى حساب الأمن الوطني المصري، وطبعا على حساب شعب فلسطين، صاحب قضية العرب المركزية.

 

لكن بعيدا عن فلسطين وحساباتها، ولو وضعنا امامنا خارطة القسم الشرقي من الوطن العربي (الأسيوي وبعض الأفريقي) ونظرنا لنتائج التطبيع العربية الخليجية وغيرها، ودققنا النظر، سنلاحظ ان ميناء حيفا الإسرائيلي سيحل محل قناة السويس بعد إعادة ترميم خط سكة الحديد حيفا مع الأشقاء العرب عبر الأردن وباقي دول الخليج، وفتح الموانىء العربية امام الناقلات الإسرائيلية والاوروبية والعالمية القادمة من إسرائيل. بتعبير آخر، التطبيع الخليجي وغيره سينعكس مباشرة على الأمن الوطني المصري الإقتصادي والإجتماعي، فضلا عن العبث الإسرائيلي بأمن مصر عبر بوابة الإخوان المسلمين والمجموعات الإرهابية المختلفة في سيناء وكل محافظات مصر، إضافة لتهديدها من البوابة الأثيوبية وعنوانها سد النهضة، والعبث بدول الجوار العربية لها وخاصة من جهة الخاصرة الليبية ... إلخ . لإن مصر العروبة، وبغض النظر عن النظام السياسي الموجود فيها، كانت ومازالت مستهدفة من الغرب عموما واميركا وإسرائيل خصوصا. لإن لديهم قناعة راسخة بمقدار ما يتم إضعاف وتفكيك الدولة المصرية، بمقدار ما يمكن للغرب الرأسمالي وأدواتهم الصهاينة من السيطرة على شعوب ودول الأمة العربية جميعها ودون إستثناء. الأمر الذي يتطلب من القيادة المصرية التنبه للأخطار المحدقة بها، وبأمنها الوطني، والأمن القومي العربي عموما. وهو ما يملي على خبراء الأمن الإستراتيجي المصري قراءة التطورات الناجمة عن التطبيع الخطير من زوايا اخرى، ابعد واشمل من القراءة المتعجلة المأخوذة بحسابات اللحظة السياسية، وبعيدا عن التحالفات الآنية التكتيكية المشوهة، التي لا يركن لها، أو عليها.

إرسال تعليق

0 تعليقات