استاء صديق لي حين ناديّت جمال عبد الناصر ب (سيّدي ) ، نعم هو
سيّدي أنا ، وليس سيّدك أنت ، فأنا مدين له بما أنا فيه ، وحاولت أن أسدد ديني حين
كنت تلميذاً في الإعدادية وهرعت مع الملايين إلى القاهرة لكيّ أثنيه عن تنحيه عن
قيادة البلاد ، وقد استجاب ، وحاولت مرة أخيرة وكنت في الثانوية العامة حين سرت
وراء جثمانه الطاهر من مبنى قيادة الثورة في الجزيرة وحتى ووري الثري في مسجده ،
وأنا أبكي وأردد مع الملايين : ( الوداع ياجمال ياحبيب الملايين ، الوداع ) !!.
وقد كتب ( جمال الغيطاني ) في تجلياته أنه سيأتي اليوم الذي يعتبر
فيه الشعب المصري جمال عبد النصر وليّاً من أولياء الله الصالحين ، وسيبدأ في
تدبيج القصص عن كراماته ومعجزاته وخوارقه !!.
ولهذا فإنني أقول لك :
اسمع يا أخى ، لاتُجادلنى ، ولاتُرهقنى من أمرى عُسرا ، فهذا الرجل
حبيبى ، أحبه ، والحب لايُفسرُ ، أسكرنى حبه ، كما الصوفى بالله يسكرُ ، إنه أبى ،
وهل يليق بابن بار أن يتعرض لمثالب أبيه !! .
لاشأن لى بالوقائع التاريخية والأحداث السياسية ، التى تُحلَل
ويكون فيها الصواب والخطأ ، فأنا أرى جمال عبد الناصر حالة ، حالة عاطفية
ورومانسية شديدة الوجد ، وليّاً من أولياء الله الصالحين ، وليس زعيماً سياسياً أو
حاكماً لمصر ستة عشر عاماً ، ومن يذهب إلى ضريحه يتيقن من ذلك ؛ فزوّار الرجل
المُسجى يتعاملون معه على أنه صاحب طريقة ، ورجل صالح ، لم يكن يمشى على الماء ،
ولايُحلّق فى الفضاء ، وإنما كان قلباً شديد الإخلاص ، يعمُر بالحب والزهد والنقاء
، نومه سُوّيعات ، وطعامه قطعة من الجبن وكسرة خُبزٍ يابس ، فأحبه ربه واصطفاه ،
وغرس فى قلوب الملايين حبه إلى اليوم ، حتى الأجنة فى بطون أمهاتها والتى لم تر
النور بعد !! .
مثله ، مثل إبراهيم الدسوقى والسيد البدوى ، رِجالٌ صدقوا ماعاهدوا
الله عليه ، ولاغرابة فى ذلك ، فالسيد البدوى كان مُجاهداً ، قاتل الصليبيين ،
وحرّض المؤمنين على قتالهم ، وهو الذى ( جاب الأسرى ) كما يغنى له المصريون حتى
اليوّم ، ولم يطلب من أحد أن يقيم له ضريحاً ، ولا مولداً يعمره الملايين كل عام
!! .
الفرق الوحيد ، أن السيد البدوى لايجرؤ أحد على سبه ، أو شَتمه ،
أو النيّل من بركاته ، وتجلياته ، إلا شرذمة من الوهابيين وغلاة السلفية الذين
يزعمون أنه كان جاسوساً على مصر ، ولا يلتفت إليهم أحد ، لكن جمال عبد الناصر ،
تكاتفت وتحالفت قوى الشر فى العالم ، على هدمه ، واهالة التراب عليه ، وجندوا لذلك
آلاتهم الإعلامية الجبارة ، وأنفقوا عليها المليارات ، لالشء إلا لضمان عدم تكرار
تلك التجربة ، وعدم عودة ذلك النموذج العبقرى من العزة والكرامة والاستقلال
والنقاء والوطنية !! .
ولكن القلوب التى أحبت ، لاتحيد عن حبها ، بل يزداد ذلك الحب
تمكناً منها وتوغلاً ، فترى دراويشه ، وأنا منهم ، تهتف عند قدومها إلى ضريحه ،
والدموع تنهمر مدراراً : « لبيّك يا أبا خالد ! » وتكاد تراه فارداً ذراعيّه
لاحتضانها ، باشّاً ، مُبتسماً ، والملائكة ترفرف فى المكان العامر بأريج الحب ،
وعبق الوفاء !! .
فلا تجادلنى ، يا أخى ، وانصرف عنى ، ودعنى لحبى وعشقى ، وصبابتى ،
غفر الله لى ولك !! .
* مأمون الشناوى *
0 تعليقات