آخر الأخبار

مقالات فقه الأصول: فقه القطع

 




 

علي الأصولي

 

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم بارك في أوقاتنا ونوِّر بصائرنا وافتح لنا في الفهم والعلم فتحاً مباركاً واجعلنا من أوليائك الصالحين بتصديقنا العلم بالعمل ظاهراً وباطناً، فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت.

اللهم ارزقنا الإخلاص والصدق وتصفية القلب من أدرانه من الرياء والعجب والكبر والتكبر والاستطالة بالعلم والحسد والبغضاء. وصلى الله على سيدنا محمد وآل محمد..

إتماما للحجة ، ومضيا والنهج العلمي ، وإبرازا لمقام الإثبات بعد الثبوت ، وتعزيزا للأدلة والشواهد والمؤيدات ، كما هو ديدن العقلاء واختصاصاتهم ،


وتمثلا لتوصيات النبي والآل (ص) وزكاة العلم نشره ، والنشر إيصاله بعد تعريفه وبيانه ، أضع ما اشتغلت عليه في الأيام الخوالي ، وما هو من ضمن اهتماماتي وما فهمته وبيانات أهل الفن ، وما سطرته يراعهم . في مجال صنعتهم وفنهم ،

فكان هذا الجهد مع قلة البضاعة وكثرة الاشتغال وقصور الإدراك وتقصيرات النفس ،


نعم: ولا يرتاب كل من خبر الصنعة والاختصاص في المجال الفقهي ما هي أهمية الأصول بالنسبة للفقه ، في العملية الاستنباطية ، وبيان الأحكام الشرعية ، إلى حد عبر عن الأصول بإنه منطق الفقه ، ومفتاحه وخارطته التي من خلالها يعرف الفقيه كيف يوظف فيها أدواته والغور في أعماقه ،

لذا كان النظر لعلم أصول الفقه والاهتمام به من الوضوح بمكان عند المشتغلين والمحصلين حتى تعمق ودق وصعب فهمه على من لم يلتحق ، إلا أن صار ملاك فهمه على ما هو مبنى السيد الأستاذ الصدر الثاني مادة لنزاع دعوى الاعلمية فضلا عن من يتقدم به خطوة للأمام ،

فكثر شراح الأصول وقل من علق بفهم خطوة لهذا المحصول فكانت النتيجة كما ترى ، كل قوم بينهم نزاع حول تلبس - سين أو صاد - ودعوى الأعلمية..


وخروجا من معمعة هذه المقولة ، يمكن إلزام الآخر وفق ما يرتضيه وما يلزمه ، بالقول: أن الفهم وحده لا يحل المشكلة بل يزيد من تعميقها ، لذا كان الأحرى والذهاب نحو فصل آخر متمثلا . بالتقدم على من تقدم خطوة في البناء ، وقيمة كل دعوى بالتالي بقيمة دليلها ومتانته وصموده ، والى الله تصير الأمور .....


( المبحث الأول )

بيان تمهيدي:

في - الكفاية - للآخوند الشيخ ملا كاظم الخراساني.

قال: لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الأحكام، وإن كان خارجا من مسائل الفن، وكان أشبه بمسائل الكلام، لشدة مناسبته مع المقام ، انتهى:

وما أفاد ، من خروج مسألة القطع من مسائل الأصول مع شدة الشبه ومناسبته ، هو راجع لضابطة المسألة الأصولية، والتي بينها في بداية - الكفاية - وحاصلها: هي - أي المسألة الأصولية - تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي، كمسالة حجية الخبر وغيرها، ومسألة القطع ليس من هذا القبيل،


نعم: أوردها في الكفاية لمناسبة أشبهية أحكام القطع بمسائل علم الكلام، التي منها البحث عن أفعاله كأثابة المطيع وعقاب من عصى، والبحث في التجري والانقياد وهما في قبال العصيان، والامتثال للتكليف المعلوم ونحو ذلك من المسائل في أحكام القطع،

وأما شدة المناسبة، فهي من جهة البحث عن حجية الأمارات في حق من لم يحصل له القطع بالحكم الشرعي، فكان من المناسب البحث عن القطع ومسائله قبل الأمارات ،

وكيف كان: وقع الكلام في أصولية مسألة أو حجية القطع أو عدم أصوليتها بين أهل الفن،

 

وفي المسألة قولان:

 

الأول: عدم أصوليتها بين مشهور الأصوليين، وما حاول الشيخ الخراساني توجيهه وعدم أصوليتها، بلحاظ عدم كون مسائل القطع خارجة عن ضابط المسألة الأصولية، فتوجيهه صحيح في الجملة لا بالجملة، وإلا من المعلوم أن مسألة التجري وهي من مسائل القطع وأحكامه، مسألة أصولية ومع أصوليتها يمكن عدها كلامية ما دامت تلحظ تحقيق الغرض الأصولي والكلامي،


والتمسك بالاشبهية، فلا أشبهية إلا بمسالة عقوبة المتجري، ومع عدها من مسائل الكلام يمكن إدراجها في مسائل الأصول، وعليه فاشبهية مسائل أحكام القطع للأصول أشبه منها للكلام، وبحثها في الجانب الكلامي لا يلازم كلاميتها بحال من الأحوال، هذا ما نبه عليه المشكيني في الجملة على توجيه صاحب - الكفاية -

وقد حاول السيد المحقق الخوئي في - المصباح ج١ - الانتصار للمشهور بما نصه: أنه لا ينبغي الشك في أن مبحث القطع ليس من مسائل علم الأصول،

وعلل المحقق الخوئي ذلك بالقول: إذ قد عرفت في أول بحث الألفاظ أن المسألة الأصولية هي ما تكون نتيجتها - على تقدير التمامية موجبة للقطع بالوظيفة الشرعية العقلية، وأما مع القطع بالوظيفة فهو بنفسه نتيجة، لا انه موجب لقطع آخر بالوظيفة، اي أن القطع لا يقع في طريق لاستنباط الحكم بل بنفسه نتيجة.


إذن: فلا استغراب لعبارة السيد المحقق وإرسال المسألة - عدم أصولية القطع - إرسال المسلمات لأنه نظر إلى ضابطية المسألة الأصولية بحسب مختارة في الأصول،

وبالجملة: القطع بالحكم ليس إلا انكشاف للحكم بنفسه فكيف يكون مقدمة لأن انكشافه كي يكون البحث عنه من مسائل الأصول.


لا يقال: هذا مقطوع الوجوب أو مقطوع المائية، لكونه بالنسبة لمتعلقة طريقيا من دون أن يأخذ فيه بوجه الوجوب،

فإنه يقال: هذا مما قطع به وكلما قطع به فهو واجب، فهذا واجب بلا فرق بينه وبين الأمارات من هذه الناحية، ناحية الكاشفية والطريقية، وليس القطع علة لثبوت متعلقه بل هو لإثباته وحصول العلم به...


وكما ترى أراد السيد المحقق الخوئي أن ينبه على أن القطع علة لثبوت الحكم، فالكلام وهذا الحال هو بعد ثبوت صحة إطلاق الحجة على القطع بهذا المعنى،

الثاني: هو القول بأصولية مسألة القطع، وهو ما ذهب إليه السيد الخميني في كتابه - تهذيب الأصول ج٢ - إذ قال: والبحث عن أحكامه ليس كلاميا، بل بحث أصولي، لأن الملاك في كون الشيء مسألة أصولية، هو كونها موجبة لإثبات الحكم الشرعي الفرعي بحيث يصير حجة عليه، ولا يلزم أن يقع وسطا للإثبات بعنوانه، بل يكفي كونه موجبا لاستنباط الحكم كسائر الأمارات العقلائية والشرعية، انتهى:



وقد نبه بعض الأساتذة على قول ثالث في المسألة ، وهو ما تبناه الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو كون القطع ليس مسألة أصولية وفاقا للمشهور وليس نتيجة للمسألة الأصولية خلافا لأستاذه السيد المحقق الخوئي،

إذ نقل عن ما عن بعض حضار بحثه ما نصه: غير خفي إن مسائل القطع ليست من مسائل علم الأصول لأمرين:

 (١) إن المسائل الأصولية نظرية والقطع مسألة وجدانية، فليست منها.

 

(٢) إن المسائل الأصولية هي القواعد العامة التي يستعملها الفقيه لإثبات الجعل الشرعي في مقام عملية الاستنباط، فالمسألة تقع واسطة في إثبات جعل الحكم الحكم الشرعي.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات