آخر الأخبار

ترامب والنفط وإسرائيل

 

 






 

عمر حلمي الغول

 

 

عشية دخول العالم الألفية الثالثة من التاريخ الراهن حدث تطور في السياسة الإستراتيجية الأميركية تجاه مراكز الصراع في العالم، عنوانه الأساس "إنتقال مركز النفوذ من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا" إرتباطا بحدوث تحولات دراماتيكية في معادلات الصراع، وإنعكاسا لتغير أولويات المصالح الحيوية الأميركية في العالم، ولإنتفاء الحاجة للنفط ومشتقاته. لا سيما وان الولايات المتحدة إستنزفت طاقات العرب النفطية بابخس الأثمان، وبات لديها مخزون إستراتيجي هائل، بالإضافة لتوسيع عمليات البحث والتنقيب في النفط الصخري، وخلق بدائل عن البترول برمته.

 

 

وعلى أثر ذلك، خلص العديد من المفكرين والساسة إلى نتيجة مفادة: إنكفاء وتراجع الحضور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، لصالح صعود مكانة إقليم جنوب شرق آسيا كأولوية في السياسة اليانكية. بيد ان الخط البياني للسياسة الإستراتيجية للإدارات الأميركية منذ ولاية الرئيس الأسبق، بيل كلينتون 1992/2000 حتى الآن بقي محافظا على إستمرار الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، ولم يتراجع النفوذ والحضور الأميركي في الإقليم، وأبرز دليل الحربين التي خاضتهما إدارة بوش الأبن ضد كل من افغانسان 2001 والعراق 2003 بعد أحداث 11 ايلول / سبتمبر 2001، وما تلا ذلك من متابعة إدارة الرئيس باراك اوباما التأصيل لسياسة ومبدأ "الفوضى الخلاقة"، وتدمير وتمزيق الدولة الوطنية العربية ( إفرازات إتفاقية سايكس بيكو 1916) لدويلات وهويات دينية وطائفية ومذهبية وإثنية مع ولوجها ما سمي ب"الربيع العربي" في نهاية 2010 ومطلع 2011، والتي مازالت تعيش زلزالها شعوب الأمة العربية حتى الآن. وبالمناسبة كان هنري كيسنجر طرح هذا المبدا في العام 1975 مع اشتعال نيران الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان/ ابريل 1975. وبالتالي الوجود الأميركي تضاعف حضوره في العالم العربي خصوصا وفي الإقليم الشرق أوسطي عموما. غير ان ذلك لم يحل دون تكثيف الوجود الأميركي في في بحر الصين، وما يشهده الصراع المحتدم بين القطبين الصيني والأميركي متعدد الأوجه والعناوين والمستويات يشير بوضح لذلك. بتعبير اوضح ان الولايات المتحدة باتت تعمل على خطين متوازيين، وعلى الجبهتين الشرق اوسطية، وجنوب شرق اسيا، واعتقد ان الخبراء الأميركيين من خلال قراءتهم للعوامل الجيوبولتيكية بين الإقليمين، وتجاورهما، رأوا ضرورة عدم الفصل الميكانيكي بينهما على ارضية نظرية مفادها: أن تعزيز الوجود الأمني العسكري في الإقليمين يخدم عامل القوة الأميركي تجاه مجموع الأعداء، والنتيجة عدم جواز فرضية التناقض بين الإقليمين، لإن الوجود الأميركي في أي منهما يعزز دور ومكانة القوة الأميركية في كلاهما، وفي العالم ككل.

 

 

وبالتركيز على إقليم الشرق اوسط، والسياسة الأميركية التاريخية، وبالإتكاء على النظريات الجيو استراتيجية للولايات المتحدة، فإن الإدارات المتعاقبة وقبل نشوء إسرائيل الإستعمارية، كانت سياسة الولايات المتحدة تعمل بخطى حثيثة وبالتعاون مع الغرب الرأسمالي الأنجلو ساكسوني على إنشاء دولة المشروع الصهيوني لخدمة مصالح الغرب الكولونيالي لنهب ثروات الأمة اللعربية، وللإستفادة من السوق العربية والشرق اوسطية، وايضا للإستثمار الأمثل من النفوذ العسكري الأمني في الإقليم في مواجهة الأقطاب الدولية الأخرى، خاصة وان الوطن العربي يجاور دول اسيا الوسطى وعمليا الإتحاد السوفييتي سابقا وروسيا الإتحادية راهنا، وكذلك من الجانب الآخر على تماس مع الصين ودول جنوب شرق اسيا، إضافة لذلك، ان الغرب الإستعماري مازال مسكونا بالحروب الصليبية والميثولوجيا الدينية والاساطير ذات الصلة بالصراع. ولهذا وجد الغرب في نشوء الدولة الوظيفية (إسرائيل) مصلحة استراتيجية، ومشروعها الصهيوني، هو أداة من ادواتها لتحقيق مجمل الأهداف، وجزء لا يتجزأ من معادلات الصراع الجيوبولتيكي في الإقليم.

 

 

وإرتباطا بما تقدم، ووقوفا عن تصريح الرئيس دونالد ترامب، من ان الوجود الأميركي في الإقليم بهدف حماية إسرائيل، وليس من اجل النفط الآن، هو موقف صحيح، لكن بالمعنى التاريخي غير صحيح، لإن وجود اسرائيل كان من اجل نهب النفط والثروات العربية. وبالتالي اذا تحدثنا عن اللحظة الراهنة، فإن موقف ترامب ينسجم مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة والغرب الرأسمالي عموما. وكل ما تفعله الإدارات وإن إختلفت في التفاصيل فيما بينها، لكن الثابت والناظم للسياسات الأميركية حتى اللحظة الراهنة هو حماية الوجود الإسرائيلي، وتمزيق وتفتيت دول وشعوب الأمة خدمة لهذا الهدف الإستعماري. وما يجري الأن من تطبيع مجاني، وفرضه بالعصا الغليظة على الدول العربية الخليجية، انما يعكس البعدين الذاتي الآني لترامب، والبعد الإستراتيجي للغرب عموما، وليس لإميركا لوحدها.

إرسال تعليق

0 تعليقات