عز الدين
البغدادي
الوطنية
ليست فكرة غريبة أو مستوردة كما يصوّرها البعض، بل هي فكرة عميقة تعكس حاجة ضرورية
عند الإنسان كفرد أو كمجتمع. وهو ما يمكن أن نلحظه عندما نعرف أصلها ومنشأها، حيث
يمكن القول بأنّ منشأها يرجع لأمرين:
الأول: المنشأ النفسي، فالإنسان يحبّ المكان الذي نشأ فيه، وقضى
فيه ذكرياتها، والذي فيه تكونت فيه علاقاته مع الآخرين، حتى صار جزءا من المجتمع
الذي يعيش فيه. لذا تجد كثيرا من الناس ممن يهاجرون إلى بلدان أفضل من بلدانهم في
خدماتها وفي ظروف معيشتها إلا أنّ أحدهم يظل يشعر بنقص لا يسدّه شيء، لأنه يشعر
بأنّ غريب في الأرض التي يعيش فيها، لأن جذورها في مكان آخر وهو وطنه، ولا يخفى أن
الشعور بالانتماء أمر هام جدا، لا يمكن للانسان أن يغض النظر عنه. هذا فضلا عن
اختلاف القيم التي يشعرها الشخص الذي يعيش في غير بلده، وهو ما يظهر بشكل أكبر
عندما تتكون له أسرة، وعندها يكون هناك نزاع بين قيم الأصل وقيم المجتمع الذي يعيش
فيه.
والثاني: المنشأ الاقتصادي: فالأرض محدودة، وكل أمة لها حصتها من
الأرض التي لا تزيد ولا تنقص عادة، فهو يتمسّك بها لأنّه لا يملك خيارات كثيرة،
فهو سيكون ذليلا إذا سلبت منه، فهو يسكن عليها ومن تربتها يستخرج رزقه.
وبما
أن الأمر هنا اقتصادي فإنك تجد البدوي لا يشعر بحنين إلى الأرض التي يعيش فيها،
لأنّه لا يرتبط بها أو ببقع معينة منها، فمعيشته تعتمد على التنقّل من مكان لآخر،
وحتى من حيث العامل النفسي فلا تتكون له رابطة عاطفية بالأرض التي يعيش فيها لأنّ
سرعان ما يغادرها. اللهم إلا ما تجده من شوق يظهر الشعراء إلى أطلال الأحبة
وديارهم.
أما
الفلاح فمن الناحية الاقتصادية فإن الأرض بالنسبة له شيء مقدّس لا يمكن بأي حال أن
يفرّط بها، فهي بالنسبة له كالشرف لا يباع ولا يشترى. أما من الناحية النفسية فهو
يسكن أرضا سكن عليها أجيال سبقت من أجداده، الذين تفرعت أصولهم لتكون مجموعة أسر
نسميها بمجموعها العشيرة تتحد مصالحها، وتمثل قيمة هامة نفسيا واقتصاديا وأيضا
أمنيا.
عموما،
هناك من يتحدث عن أن أهمية الإنسان فوق أهمية الوطن، وأنه لا معنى للوطن دون
إنسان، وهذا صحيح بالتأكيد لكن هناك من يوسع رؤيته ليقول بأن الوطن الذي لا يحقق
لي متطلباتي ليس وطنا، وهذا طرح ماكر يستهدف تبرير المواقف الأنانية وأحيانا تبرير
المواقف الخيانية.
0 تعليقات