آخر الأخبار

نزار الحيذرى : تدليس أم جهل ؟! (2)

 




 

محمود جابر

 

 

ما قام به الدكتور نزار الحيدرى، هو نموذج صارخ لتحويل التكتيك إلى استراتيجي... 

فقد حاول الحيدرى ان يقول أن الشيعة أفضل من السنة من حيث رواية الحديث، فالسنة يرجعون فى تشريعهم الفقهي والعقدي إلى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وهم من مدوني القرن الثاني الهجري وما يليه، وبالتالي هناك انقطاع حوالي قرنين من الزمان بين رحيل النبي وبين هذه المدونات الحديثية التى يرجع إليها السنة، فضلا عن إن مدونى هذه الكتب الحديثية ليسوا بعرب !!

 

هذا الكلم الذي أورده الحيدرى عن حسن نية أو سوء، ولكنه بكل تأكيد لا ينم عن علم فضلا عن الحكمة ...

 

ولا يعلم – الحيدرى – أن الصراع بين المذاهب صراع تكتيك على مستوى تقديم وتأخير الخيارات الواجبة، ومن خلال جهد – غير محمود - تحويل هذا الخلاف من تكتيك إلى إستراتيجية يهدم المذهب والدين ويحول المذهب الى دين جديد لا علاقة له بالدين الأصلي ويصبح الدفاع عن المذهب هو الأصلي والدفاع عن الدين هو العنوان الفرعي ومن هنا يتجاوز المختلفين حد الخروج بمعنى أنهم خوارج إلى حد الكفر بإنكارهم الدين...

 

وعودا إلى كتب الحديث عند الشيعة، والتي ربما لا يعرف الحيدرى عنه شيء، فإن كتب الحديث العمدة عند الشيعة هم أربعة كتب، وهم الكافي و تهذيب الأحكام، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه .

 

الكتاب الأول جمع وتأليف وتصنيف محمد بن يعقوب بن إسحاق الكلينى الرازى، وهو من مواليد القرن الرابع فى مدينة الرى .

 

الثاني: تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسى، أبو جعفر محمد بن الحسن بن على بن الحسن الطوسى، وهو من مواليد القرن الرابع فى خراسان. وهو مؤلف الكتاب الثالث: الاستبصار .

 

الرابع: من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق القمى وهو من مواليد القرن الرابع وكلهم غير عرب، حسب لغة الدكتور نزار الحيدرى !!

 

هذا من حيث الشكل الاحترابى الذى يحاول البعض ان يسوقه، ولا يفرق بين الرواية، والكتابة، والتدوين ثم التصنيف ...

 





ونقول :

 

ان المسلمين كانوا ينظرون إلى تدوين الحديث على انه حاجة ماسة وضرورية، بل ان النبي صلى الله عليه وآله قد أكد مسالة الكتابة بوجه خاص، وحث على ذلك بعبارات مختلفة، وكان أصحاب النبي  مختلفى الفهم والحفظ ومنهم من يكتب ومنهم من لا يكتب.

 

ولكن الحديث كما سبق أن قلت لم يكن علما دراسيا، ولكنه كان أعمق من هذا فقد كان علما حياتيا يحيى به المسلمين عامة .

 

ورغم وجود كلام بعد وفاة النبي حول منع كتابة الحديث وروايتها، ولكن أرى أن كل هذا الكلام كان مجرد كلام، لان السلطة لا تستطيع منع الناس الاستئناس بحديث النبي فى معاملاتهم وحياتهم، ورواية البعض عن البعض، وكتابة الصحابي عن الصحابي، وكتابة التابعي عن التابعي، لان هذه الأمور كانت تجرى فى البيوت والمساجد، كما فى المعارك والحروب .

 

واستمر الإمام على يحدث أصحابه ومحبيه وآله بما لديه من حديث مكتوب عن النبي، بل إن صحفه المكتوبة لم تستولي عليها السلطة كما لم تستولي على صحف غيره...

 

 ونقل النجاشي عن محمد بن عذافر الصيرفي انه قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند ـ ابي جعفر (ع) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (ع) له مكرما، فاختلفا في شي فقال ابو جعفر (ع): قم يا بني، فاخرج كتاب على (ع)، فاخرج كتابا مدروجا عظيما وفتحه وجعل ينظر، حتى اخرج المسالة فقال ابو جعفر (ع): هذا خط علي (ع)، وأملا رسول اللّه (ص)، واقبل على الحكم وقال: يا ابا محمد، اذهب أنت وسلمة وابوالمقدام حيث شئتم يمينا وشمالا، فواللّه لا تجدون العلم اوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل (ع).

 

إذا الصحائف التى كانت عند أمير المؤمنين، ورثها الإمام الباقر، عن جده، وورثها ابنه الصادق، وبعض تلاميذه وتلاميذ ابنه.

 

وكانت هذه الوراثة إما بالكتابة أو المشافهة وقد ذكر النجاشي في كتابه أسماء ما يقارب ألف ومائتين راو من أصحاب الأئمة (ع) ورجال الشيعة وترجم لهم وأشار الى ما ألفوه من الكتب في موضوع واحد أو مواضيع متعددة، وقال في مقدمة كتابه: أنا اذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح وقسم علماء الرجال المؤلفين والمصنفين المعروفين إلى عهد الإمام الصادق (ع) الى ثلاث طبقات ومع هذا فانه لم يعرف عددهم دقيقا، لأنه من المستبعدان يكون في أصحاب الأئمة (ع) من تشرف بمجلسهم وتتلمذ على يد احدهم ولم يصنف كتابا.

 

وفي عهد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) حيث سنحت له تلك الفرصة الثمينة بان يحدث ويدون الحديث الى أوسع نطاقه، حتى بلغ عدد الذين من تتلمذ عنده أربعة آلاف شيخ.

 

يقول الحسن بن علي الوشا: انه لقي في مسجد الكوفة في عصر واحد تسعمائة عالم كل يقول:

حدثني جعفر بن محمد، هذا مع بعد المسافة التي تفصل بين الكوفة والمدينة مركز تعليم وتدريس الإمام الصادق (ع).

 

وقد ترك الإمام الصادق وأصحابه حوالي أربعمائة صحيفة سميت بالأصول الأربعمائة .

 

ثم تطور التصنيف فى زمن الإمام الرضا، وظهرت الجوامع وهى كتب موسوعية أوسع وأكثر تصنيفا من الأصول الأربعمائة، وظل معمولا بها الى ما بعد زمن الغبية حتى تم وضع الكتب الأربعة وهى أسهل تدوينا وأيسر فى البحث والنقل والكتابة .

 

ولم يتوقف تطور العلوم عند ذلك ولكن ظهر بعد العلماء الثلاثة الكلينى والطوسى والصدوق كتب أهم وأكثر تصنيفا وما يزال تطور العلوم يزداد دقة وضبطا وإحكاما حتى كتابة هذه السطور، وسوف تستمر، ولكن علينا أن نبحث عن الدقة والأمانة ونحن نكتب عن تاريخ امتنا وعقيدتنا وان نبتعد عن مواطن الفتنة ونقاط الصراع ، ولا يأتى شخص ويقول أن الناس اليوم تأخذ علمها عن الشيخ الفلانى ونحن فى القرن الخامس عشر لماذا لا يأخذون علمهم عن الرسول ؟!!

وهذا إن لم يكن سؤالا خبيثا فإنه سؤال الجاهل، لان تطور العلم لا يعنى انعدامه فى السابقين، أيها الأحبة كل ما علينا أن نلتمس قول الله تعالى وأن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون .....



نزار الحيذرى : تدليس أم جهل ؟!


إرسال تعليق

1 تعليقات