آخر الأخبار

نزار الحيذرى : تدليس أم جهل ؟!

 





 

محمود جابر

 

فى الصباح وأنا اقلب النوم بحثا عن اليقظة، أمسكت بهاتفى فوقعت عيني على مقال بعنوان (أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟للكاتب الدكتور نذار الحيذرى.





 

كان محور مقال السيد الدكتور الحيذرى أو الحيدرى – لا اعرف-  حول علم الحديث، وكتاب الصحاح وان المسلمين يأخذون جل دينهم عن روايات حديثيه من البخاري ومسلم،والنسائي، وابن ماجه. وهؤلاء جميعا أبناء القرن الثاني علما أن النبي أنتقل إلى جوار ربه فى السنة الحادية عشر من الهجرة.

 

وقال ضمن ما قال أن هؤلاء السادة مراجع الحديث كلهم ليسوا عربا، ولم يولدوا فى الجزيرة العربية !!


ثم تساءل – الحيذرى- ما هى مصادر البخاري ومسلم وغيرهما رغم انهم ليسوا عربا، وولدوا على مسافة بعيدة زمنيا من موت الصحابة؟!


ثم طرح العديد من الأسئلة فى مقاله، فى أين ما كتب النبى؟ ، وأين ما نقل عن آل البيت، وأين ما كتب عن الصحابة، وأين الحفاظ والثقات من الصحابة، ثم قال ضمن ما طرح من سؤال من حرق واتلف المخطوطات الأصلية للحديث والسيرة ؟!

 

ثم قال فى ختام مقاله : أيعقل أن أمة الإسلام من بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من 6 أجيال ،وبأكثر من 183 سنة وبعد أكثر من 24″ خليفة ” للمسلمين ، انه لم يوجد تجميع للأحاديث ؟ حتى جاء مسلمون وغرباء عن ثقافة العرب وخصائصهم من خراسان وبلاد فارس حتى يعلموا المسلمين عن كل ما نقل عن الرسول وكأنه لم يوجد من آل البيت ولا الصحابة ولا الثقاة ولا الكتبة .. وكأن أمة العرب التي خرج الإسلام من رحمها في الجزيرة العربية كانوا كلهم أمواتا !!!

 

هذا كل ما جاء به نزار الحيدرى، أو الحيذرى، ولا اعرف دافعه فى الكتابة هل هى رغبة فى الكتابة، أو محاولة تشكيك، ولكن ما ادركه أن الرجل لا يعرف عن علم الحديث المقدار الذى يشبه طبيب لا يعرف كيف يضع مطهرا على جرح عادى ..

 

 

وأقول :

 

لا يكاد يمر يوما أو بضع يوم إلا ونقرأ مقالا جديد لهاو جديد يزعم أن السنة لم تدون إلا فى القرن الثاني من الهجرة ، وأن السنة النبوية الحقيقية قد ضاعت فى القرن الأول فى الصراع الذى دار بين الصحابة وآل البيت، ومن اجل تفنيد هذه الفرية التى تساق بجهل أو بسوء نية.

 

فمنذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون يعرفون السنة النبوية ويتداولونها ويدوّنونها، فقد أمر الله عز وجل في القرآن الكريم بطاعة السنة النبوية فقال تعالى: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” (الحشر: 7)، وقد طبّق ذلك المسلمون منذ اللحظة الأولى فقد أخذوا من السنة النبوية كيفية الوضوء والصلاة وبقية أركان الإسلام وأركان الإيمان وطبقوها ونقلوها لأهلهم ولقبائلهم وبلادهم كما نقلوا القرآن الكريم، وكان الصحابة يعلّمون الناس في البلاد التي يفتحونها القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

 وفي قصة طاعون عمواس المشهورة حين تحيّر عم بن الخطاب، ماذا يصنع، هل يكمل مسيره للشام التي أصابها الطاعون أم يعود؟ فشاور عمر المسلمين وعزم على الرحيل امتثالا لمقاصد الشريعة بتجنب الضرر واقتحام المهالك وعاد للمدينة، ثم جاءته النصيحة من على بن ابى طالب، مخبرا عمر بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك بقوله: “إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “إذا سمعتم به -أي الطاعون- في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه”.

 

 وقبلها اختلف المسلمون فى مكان دفن النبى صلى الله عليه وآله حتى جاءت احدهم بحديث النبى نحن معاشر الأنبياء نقبر حيث نقبض ".

 

واعتماد الصحابة رضوان الله عليهم على السنة وتداولها بينهم حقيقة مسلّمة لا جدال فيها، فلم يوجد في القرون الأولى من يكتفي بالقرآن الكريم عن السنة. بل كان بعض صغار الصحابة كابن عباس يتتبّع كبار الصحابة ويأخذ عنهم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان من توجيهات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابن عباس حين توجّه لمناظرة الخوارج كما يروي ابن سعد في الطبقات أن يحاججهم بالسنة لأن الخوارج يتأولون القرآن الكريم على أهوائهم، بينما السنة النبوية تقطع الطريق عليهم وتكشف عن مخالفتهم للإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يزال هذا المنهج من الاحتجاج بالسنة النبوية يكشف الأدعياء والكذبة ممن يتظاهرون بالعلم والفهم .

 

 وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم تم تدوين قسم من السنة النبوية كرسائله للملوك والرؤساء، وكأمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لأبي شاه، وقد كان عبدالله بن عمرو يكتب كل ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكره عليه بعض الناس، ولما علِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرّه على ذلك وقال: “اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق”.

 

 وكذلك ما ورد عن علي بن أبي طالب من أنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في صحيفة عن الديات وفكاك الأسير، وهناك نماذج أخرى، وما ورد من منعه عن كتابة الحديث كان في بداية الإسلام أو حتى لا تكون ظاهرة كبيرة تزاحم كتابة القرآن ويختلطا، أو أن هذا أمر نسخ وهو ما يتوافق مع ثبوت كتابة الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وكان التابعين من بعد الصحابة دور بارز في تدوين السنة لا يقل أهمية عن دور الصحابة رضي الله عنهم، فقد تلقى التابعون الرواية على أيدي الصحابة الأجلاء، وحملوا عنهم الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا عنهم متى تُكره كتابة الحديث، ومتى تُباح، فقد تأسوا بالصحابة رضي الله عنهم، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول تدوين وكتابة الحديث، ولذلك فقد ظهرت بعض تلك الأحاديث المدونة والصحف الجامعة للحديث الشريف التي اعتنى بكتابتها أكابر التابعين.

 

فطلَب التابعون من الصحابة تعليمهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه كما كانوا يتعلمون منهم القرآن الكريم، وأصبح لكل صحابي تلاميذ معروفون ولهم خبرة بأحاديث هذا الصحابي وقد أصبحوا لاحقا أئمة التابعين، وكثير من التابعين دوّن السنة النبوية عن الصحابة، فمِن تابعي القرن الأول هناك 53 تابعيا دوّن السنة أو دوّنت عنه، وهناك 99 من تابعي القرن الثاني كَتب أو كُتبت عنه السنة والحديث، مما يدل على انتشار تدوين السنة في وقت مبكر جداً، وتأمل قول أحد أئمة التابعين، وهو سعيد بن جبير، المولود سنة 46هـ: “كنتُ أكتب عند ابن عباس في صحيفتي حتى أملأها، ثم أكتب في ظهر نعلي، ثم أكتب في كفي” لتعرف حجم التدوين الذي كان يدوّنه التابعون عن الصحابة كابن عباس الذي توفي سنة 68هـ.

ومن أشهر ما كتب في القرن الأول الصحيفة الصحيحة لهمام بن مُنَبِّه الصنعاني (المتوفى سنة 131هـ)، تلك الصحيفة التي رواها عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد وصلتنا هذه الصحيفة كاملة كما رواها ودونها، وقد طبعت عدة طبعات، منها طبعة بتحقيق الدكتور رفعت فوزي طبعة مكتبة الخانجي  (1406 هـ)، ويزيد من توثيق هذه الصحيفة أن الإمام أحمد قد نقلها بتمامها في مسنده، كما نقل الإمام البخاري عددًا كثيرًا من أحاديثها في صحيحه، وتضم صحيفة همام مائة وثمانية وثلاثين حديثًا، ولهذه الصحيفة أهمية تاريخية؛ لأنها حجة قاطعة على أن الحديث النبوي قد دون في عصر مبكر، وتصحح القول بأن الحديث لم يدون إلا في أوائل القرن الهجري الثاني، وذلك أن همامًا لقي أبا هريرة قبل وفاته، وقد توفي أبو هريرة رضي الله عنه سنة 59 هـ، فمعنى ذلك أن الوثيقة دونت في منتصف القرن الأول الهجري.

 

وهذا سعيد بن جبير الأسدي (المتوفى سنة 95هـ) كان يكتب عن ابن عباس حتى تمتلئ صحفه، وكانت للحسن بن أبي الحسن البصري كُتُبٌ يتعاهدها، فقد قال إن لنا كُتُبًا كنا نتعاهدها.

 

 وممن كتب في هذه الفترة التابعي الجليل عامر بن شراحيل الشعبي (المتوفي سنة 103 هـ)، فقد روي عنه أنه قال: "هذا باب من الطلاق جسيم، إذا اعتدت المرأة وورثت..." ثم ساق فيه أحاديث.

 

وأبرز جيل التابعين عدد آخر من العلماء الذين اهتموا بالحديث واحتفظوا بأجزاء وصحف كانوا يروونها؛ منهم محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (المتوفى سنة 126هـ) والذي كتب بعض أحاديث الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد وصلت إلينا من آثاره أحاديث أبي الزبير عن غير جابر، جمعها أبو الشيخ عبد الله بن جعفر بن حيان الأصبهاني (المتوفى سنة 369 هـ) وقد طبع بتحقيق بدر بن عبد الله البدر طبعة مكتبة الرشد بالرياض (1417 هـ)، وأيوب بن أبي تميمة السختياني (المتوفى سنة 131هـ) وقد وصل إلينا بعض حديثه جمعه إسماعيل بن إسحاق القاضي البصري (المتوفى سنة 282 هـ) وهو مخطوط في المكتبة الظاهرية مجموع 4/2 ويقع في خمس عشرة ورقة، وغير هؤلاء كثير.

 

وهكذا شاعت الكتابة بين مختلف الطبقات في ذلك العصر، حتى أن الأمراء قد ظهرت عنايتهم بالكتابة. ولم يعد أحد ينكر كتابة الحديث في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني،  وعليه فقد نشطت الحركة العلمية وازداد التدوين والقراءة على العلماء، ولكن ذلك كان بشكل فردي.

 

فهذه المبادرة التى استمرت فى المائة الأولى وبداية الثانية من العلماء والحفاظ، بيد أنها أصبحت سياسة رسمية للدولة مع تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة 99هـ والذي استمرت خلافته سنتين وخمسة أشهر، حيث كتب إلى الإمام أبي بكر بن حزم، وهو أمير المدينة وأعلم أهل زمانه بالقضاء: “انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء”، وكتب بذلك ايضاً لابن شهاب الزهري، فقد ذكر ابن عبد البر عن ابن شهاب قال: “أمرَنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً”، وقد علق الإمام ابن حجر العسقلاني على أوامر عمر بن عبد العزيز فقال: “وأول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد”.

 

وبقي هذا الحال من تدوين السنة قائماً ومستمراً، ولكن مع مجيء مرحلة تابعي التابعين -وهم الذين أخذوا عن التابعين ولم يروا الصحابة- دخل تدوين السنة والحديث مرحلة جديدة من خلال تصنيف التدوين بشكل موضوعي على الأبواب، فظهر عندنا كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس (93 – 179هـ)، وهناك كتاب لابن جريج (توفي 150هـ)، ومغازي ابن اسحاق (توفي 151هـ)، وجامع معمر بن راشد (توفي 153هـ)، وغيرهم كثير، وهذا التدوين للسنة النبوية -فضلا عن المرويات المحفوظة في الصدور والتي هي طبيعة الثقافة في ذلك العصر- كله كان قبل ولادة البخاري الذي يزعمون أنه اخترع السنة والأحاديث وأنه أول من دوّن السنة النبوية، مما يكشف عن ضخامة الكذب والافتراء الذي تُرمى به السنة النبوية ومقدار الجهل أو الافتراء...

 

وأما فيما يخص روايات التى اختصت بالا البيت فسوف يكون لها مقالا آخر إن كان فى العمر بقية ... ولله الحمد والمنة

إرسال تعليق

0 تعليقات