عز الدين البغدادي
في العصور الوسطة كان للكنيسة الكاثوليكية سلطة كبيرة جدا، مادية
تظهر في أملاكها الكبيرة بل الهائلة، وسياسية حيث كان ملوك وأمراء أوربا يبحثون عن
شرعيتهم من خلال كسب رضا البابا عنهم، ومعرفية حيث كانت الكنيسة تحتكر المعرفة وتحدد
المواقف الفلسفية والعلمية وتتبناها وكل من يخالفها فإنه يعتبر مهرطقا.
الكثير من الكتاب والفلاسفة وحتى صغار رجال الدين حاولوا إصلاح
الواقع من خلال أفكار قدموها أو أعمال قاموا بها الا أنهم فشلوا أو كان نجاحهم
محدودا إلى أن ظهر رجل دين ألماني شجاع هو مارتن لوثر حيث أعلن موقفا قويا من
الكنيسة والبابا.
حيث نشر في عام 1517 رسالته الشهيرة التي تتعلق تتعلق بانتقاداته
لسلطة البابا والمؤلفة من خمس وتسعين نقطة وعلقها على باب كنيسة القلعة فى
فيتنبرج، وأشعل بذلك ما يسمى بـ الإصلاح البروتستانتى.
أعلن اعتراضه على الكنيسة في مسألة صكوك الغفران، وأعلن رفضه
للسلطة التعليمية في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما
يتعلق بتفسير الكتاب المقدس، حيث اعتبر أنّ لكل امرئ الحق في التفسير؛ وأنّ الكتاب
هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان.
كذلك عارض سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتّعون
بدرجة الكهنوت المقدسة، وانتقد لوثر التضرّع للقديسين وعبادة مريم العذراء، رفض
فكرة الاعتراف بالخطايا الموجودة عند الكاثوليك والتي تعتبر شرطا للحصول على
الخلاص أو غفران الخطايا، رفض التبتّل وطالب بالسماح لرجال الدين بالزواج.
نحن نمرّ الآن بحالة تاريخية مصيرية ومفصلية، صار هناك إعراض عام
عن رجال الدين والمؤسسة الدينية، إلا أن هذا ليس حلا لواقعنا السيئ، أولا: لأن
الدين لا يمثل قضية اعتقاديه فقط، وليس أمرا زائدا بل يمثل ايضا هوية أمة، وثانيا:
لأن الحاجة الى الدين عميقة، لذا فسيأخذ الناس وقتا فقط ليرجعوا مرة أخرى إليه،
لذا كان الإصلاح الديني بأي حال ضرورة لتنقية أفكارنا الخاطئة، لا
سيما وان اي مشروع تنويري لا يقوم بتفكيك الأفكار الخاطئة في الدين لا يمكن ان
ينجح في الواقع الاجتماعي ولا يمكن ان يؤثر في تفكير الناس.
كما إن أي مشروع للإصلاح الديني لا يخرج من المؤسسة الدينية فإنه
لن يحقق نجاحا، الإصلاح يبدأ منها، ولهذا نجح لوثر كما لم ينجح من قبله وربما من
بعد أحد.
0 تعليقات