آخر الأخبار

الحيدري يجيب عن سبب اثارة قضية التكفير

 

 


 

 

 

 

وجه أحد الأشخاص سؤال الى آية الله كمال الحيدرى سؤالا حول ما أثير من ضجة وهجمة شرسة على سماحتكم إثر تصريحكم بأن اجماع علماء الشيعة يحكمون بكفر المخالف باطناً، فما هو الداعي لسماحتكم لطرح هذه المواضيع الحساسة من خلال شاشة العراقية والتي تسببت في إثارة ضجة داخلية وخارجية واستنكار وشجب كبير، وما الداعي الذي يقف وراء تصريحكم حيث يرى البعض أنكم أعطيتم العذر في تكفيرنا وقتلنا وهذا يؤدي الى تهديد السلم الأهلي خصوصاً وإن مثل هذه التصريحات تبعث السرور في قلوب الأعداء، فما هو رد سماحتكم على ذلك؟ ودمتم سالمين ومسددين.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

 

لبيان مثل هذه الحيثيات بشكل مفصل يحتاج الأمر إلى تصريح من خلال لقاء متلفز من سماحة المرجع الديني السيد كمال الحيدري (دام ظله) ليبين فيه الحيثيات التي ترفع اللبس والإيهام الحاصل لدى البعض، غير أننا نقول بإيجاز:

 

 

لا يخفى إن سماحة السيد الحيدري (دام ظله) حريص مثلكم على المذهب والدين وعلى وحدة الأمة الإسلامية وعلى التعايش السلمي ونبذ الفرقة والكراهية والطائفية المقيتة، وكل من له أدنى متابعة لدروس وأبحاث سماحته والتي انتشرت منها مقاطع تصويرية في مواقع التواصل الاجتماعي يدرك حرص سماحته على ضرورة تصحيح الفكر والعقيدة الشيعية لإبعادها عن المفاهيم التي تمزّق الأمة ووحدتها، وتهدّد أمنها وسلمها الأهلي والمجتمعي، ولعل سماحته من أبرز المتصدّين في هذا العصر لمعالجة مسألة التكفير بين المذاهب ووضع حلول جذرية غير مختصر على الحلول الترقيعية الآنية التي تبتني على أسس غير ثابتة تتغير بتغير المصالح والمطامع والأغراض السياسية، وكانت مبادرته ودعوته منذ سنوات لجميع المذاهب إلى تصحيح المباني التكفيرية التي ابتنت عليها العقائد ومسائل الفقه لإيقاف نزيف الدم والاقتتال بين الأمة الإسلامية الواحدة، بل راح إلى أكثر من ذلك في تبنّي جواز التعبد بجميع الأديان والمذاهب، بمعنى: إن كل أهل ملة أو نحلة قد ثبت لها بالقطع واليقين صحة معتقدها ودينها ولم تكن جاحدة، فلها أن تتعبّد بما قام الدليل عليه وتكون معذورة عند الله تعالى، بل ومأجورة.

 

وهناك محاولات في السير التاريخي لمذهب التشيع قامت على رفض التكفير والدعوة لإصلاح المباني التكفيرية الفقهية والعقدية منها، ولعل سماحته كان آخر هؤلاء المصلحين وليس أولهم، وإن مقتضى القضاء على ظاهرة التكفير ينحصر بإعادة النظر في المباني وتغييرها وقراءة النصوص وفق الأطر العامة التي جاء بها الإسلام من توحيد الكلمة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}. الأنبياء: 92.

 

وإن الاختلاف الذي لا يبلغ حد تمزيق الوحدة وتكفير طوائفها حق كفله الدين الإسلامي، بل يعدّ من السنن الإلهية في خلقة.

 

إن البرنامج الذي ظهر فيه سماحته كان يحمل عنوان ( حوار الدين والعلمانية) ما يعني بيان مديات وجهات التقارب وإبراز المشتركات بين الدين والعلمانية الحاكمة في العراق على أقل تقدير، ولم يعقد البرنامج لمناقشة مباني العلمانية أو مناقشة الفكر الديني، وإن المحاور التي طُرحت لم تُطرح على سماحته فقط، فقد سبقه إلى هذا البرنامج شخصيات إسلامية عدة طرحت عليها المحاور ذاتها، غير أن قراءة كل منهم تختلف عن الآخر ولو جزئياً للنص الديني بحسب المباني والنموذج المعرفي. وما يميّز هذا البرنامج في حلقاته الأخيرة ـ مع كامل الاحترام لسائر الشخصيات ـ استضافة شخصية علمائية وأحد أبرز مراجع التشيع المعاصرين والمجددين، وهذا ما يعني أن البرنامج ستكون حلقاته شبه استثنائية إن لم نقل استثنائية تماماً في نمطها ونسقها وأجوبتها على تلك المحاور، فليس المتوقع من المتابعين لبرنامج ( المراجعة ) من المثقفين والنُخب الواعية أن يكون الجواب انشائياً أو يتسم بالمجاملات السياسية والمداهنة وإعمال مبدأ التقية طالما الغرض هو بيان مدى قدرة الدين الإسلامي على مواكبة العصر في ظل العولمة، وهذا يحتم على سماحته أن يتكلم كمرجع وكعالم ووفق المباني ونقدها؛ لأنها جزء من مشروعه الإصلاحي، ولم يكن يتوجس من ردود الأفعال من هنا ومن هناك من بعض المتربصين أو المرجفين الذين يتوجسون من تشنيع بعض القنوات الفتنوية أو التشهير بالمباني العلمائية، فإن مثل موضوع التكفير من أكثر المواضيع المبحوثة بين المدرستين ولم تكن من المسائلة البكر، بل تعرض لها علماء السنة قديماً وحديثاً ومن خلال المنصات الإعلامية وتثقيف جماهيرهم عليها للطعن في المذهب الاثني عشري، الأمر الذي شكل خطورة لعدة أجيال قادمة تربت وترعرعت على ثقافة الإقصاء والتكفير وامتلاك الحقائق المطلقة، وما التيارات المتطرفة كداعش والنصرة إلا ثمرة من فتاوى ابن تيمية التكفيرية لمذهب الاثني عشرية، علماً إن التكفير لدى مدرسة الصحابة أشد شكلاً ومضموناً من تكفير علماء مدرسة أهل البيت^، فإن مدرسة الصحابة تكفّر الشيعة وتبيح دمائهم وأعراضهم وأموالهم، غير إن تكفير علماء مدرسة أهل البيت يختصر على التكفير الباطني العقائدي الذي تترتب آثاره يوم القيامة.

 

وأما في دار الدنيا ومن الناحية الفقهية فكل من تشهد الشهادتين منهم فهو مسلم محقون الدم والعرض والمال، إلا فتاوى بعض المتقدمين والمتوسطين من علمائنا القائلين بالكفر الفقهي أيضاً، وهم أندر من الكبريت الأحمر ولا يعتد في رأيهم مقابل رأي جمهور العلماء، فما يصوّره البعض من أن التعرض لمسألة التكفير ونقدها يعتبر نوعاً من التحريض يهدد السلم المجتمعي والتعايش الاجتماعي مجرد وهم خادع أو تربّص لإيقاظ الفتنة بين المسلمين، إذا لم يكن الدافع سوى تصحيح المباني والحكم على جميع المسلمين بالإسلام الظاهري والباطني، وتفويت الفرص المتاحة للاستعمار والدول المعادية للكيان الإسلامي وما تدبره من مؤامرات لفتّ تآزر المسلمين وتماسك أخوتهم الإسلامية والدينية والإنسانية.

 

 

وما يتذرع به البعض من أن عرض مسألة التكفير أعطت للطرف المخالف خدمة مجانية وذريعة للتشنيع على الشيعة الاثني عشرية ينبأ عن عدم اطلاعهم وغفلتهم كما أشرنا من معرفة الطرف المخالف بتفاصيل هذه المباني سواء من خلال علمائهم أو من بعض القنوات الشيعية المتطرفة التي تتبنى ظاهرة تكفير المخالف وهي ليست بقليلة، ولابد من التمييز بين من يطرح موضوعة التكفير لنقدها وبين من يطرحها لتسويقها وتبنّيها، فسماحة السيد الحيدري (دام ظله) كان من أشد الناقدين والمنكرين على تبنّي ظاهرة التكفير ومبانيها وإن القرآن وفكر أهل البيت  بريء من تكفير الآخرين وفق قراءته للمنظومة الدينة وأنه يحكم بإسلامهم ظاهراً وباطناً، وهناك من العلماء من ذهب إلى ذلك أيضاً، غير أن التصعيد لم يأتِ إلا من الداخل حيث أخذ المتربصون بمختلف مسمياتهم ذلك ذريعة للتشهير بسماحته ووصف موقفه بالتحريض على القتل وتهديد الأمن الاجتماعي متغافلين إن ذلك يساوق التشهير بالمذهب وعلماءه أيضاً! أن مثل هذه الهجمة الشرسة تكشف عن مؤامرة مبيّتة لا تريد الإصلاح في تلك المباني وتصرّ على الإبقاء عليها، غير آبهين بما تؤججه تلك المباني من الصراع الطائفي بين فترة وأخرى، حيث أصبحت تشكّل خدمة عظيمة للمأرب السياسية والتآمر على الأمة الإسلامية في كل وقت ومكان.

 

وإن سماحته لم يحتمل ولو بنسبة ضئيلة ردود الأفعال التصعيدية من البيت الشيعي تجاهه بعد أن تعرّض لهذه المسألة عدة مرات من خلال شاشة قناة الكوثر وفي أبحاثة التخصصية المنتشرة في موقعه وفي سائر مواقع التواصل منذ سنوات طويلة، ما يعني اطلاع الكثير عليها من المخالفين وغيرهم ولم توجد ضجّة أو هدّدت السلم الأهلي، بل كانت على العكس من ذلك؛ لأنها خطوة نوعية للتقريب بين المذاهب والأديان بصورة عملية، وإن المؤتمرات والندوات والتصريحات السياسية والخطابية لا تعالج مثل هذه المشكلة العميقة إلا بشكل سطحي، وقد انتجت مساعي سماحته أن صدرت فتوى نوعية من قبل المرجعية العليا في النجف بالحكم بإسلام المخالفين من المذاهب الإسلامية ظاهراً وباطناً لا ظاهراً فقط، وهذا نصر ومكسب عظيم للتشيع حيث أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الفتاوى التي تحفظ النسيج الاجتماعي وتعزّز الأخوة الإسلامية والإنسانية بين أبناء المذاهب وأبناء الوطن الواحد، وسيكتب التاريخ بحبر من ذهب مساعي سماحة السيد الحيدري (دام ظله) أنها أثمرت نتائج طيبة من أهمها الفتوى النوعية لصادرة من المرجعية العليا في هذا الزمن.بالحكم باسلام المخالفين ظاهرا وباطنا.

 

وإننا لنستغرب من الاصغاء بإمعان إلى كلمات المرجفين والذين يعتاشون على تأجيج الفتنة من كلا الطرفين والذين لا يريدون الخير والوحدة لهذه الأمة الإسلامية وتجاهل كلمات الحكمة والتهدئة والوحدة.

 

نعم، ربما لم يكن هناك متسع من الوقت لبسط الكلام في هذه الموضوعة بشكل مفصل بحيث لا توجب اللبس أو الايهام أو الشكوك لدى البعض، غير أن سماحته أعرب عن استعداده الكامل لبسط هذه المسألة في كتب الفريقين وتتبع كلمات العلماء بشكل مفصّل وكامل للتوصّل إلى النتيجة التي أعلنها سماحته منذ سنوات طويلة بالحكم على المخالفين بالإسلام ظاهراً وباطناً، إذ الملاك في إسلام الإنسان النطق بالشهادتين، وأما المستضعفون فهم مستثنون من دخول النار ويكون حكمهم إلى أمر الله تعالى إما يعذبهم وإما يتوب عليهم.

 

نصيحتنا للمؤمنين عدم الانجرار وراء الأبواق التي تفتعل إثارة الفتنة، وعدم التعصب للآراء، واعتماد الحوار البنّاء، وقبول الرأي الآخر، وعدم انتهاج أساليب التسقيط والتضليل والاتهامات بعظائم الأمور، فإنها تسيء إلى أصحابها وتزكي الآخر وتبيّن عجز هؤلاء وضعفهم العلمي وعدم تتبعهم واطلاعهم على أبسط كلمات العلماء الأبرار .

 

نسأل الله تعالى أن يحفظ الأمة الإسلامية ويجنّبها المخاطر ويرفع عنها البلاء ويوحد كلمتها على الإيمان والمحبة والألفة والتقوى وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم ويخزيهم في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.

 

مكتب سماحته ـ قم_المقدسة

 

إرسال تعليق

0 تعليقات