أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
قضية سب الرسول عليه السلام تحتاج إلي وقفة علمية، لأن أول استدلال
من السب ومصدره وأسبابه، ومن رد الفعل شكلا ومضمونا يشير إلى ثلاثة أمور، أولها:
أن السب الصادر من قيادات وشعب دول نعتبرها كبرى يدل على خطأ توجهها وسطحية
حضارتها وعدم عقلانيتها. ثانيها: أن المسلمين ليسوا مؤمنين، كالأعراب في عهد
الرسول الذين ادعوا الإيمان فرفض الله دعواهم ومن عليهم بالإسلام فقط، وفرق كبير
بين الإسلام والإيمان. ثالثها: سوء توجه العرب.
والدراسة تبدأ بالتساؤلات، وقد طرح المنفعلون بعضا منها على الدول
الكبرى شعبا وقيادة، ولن يسمعوا منهم ردا إزاء العجرفة والجهل الحقيقي، الذي يبدو
واضحا في أقوالهم وأعمالهم. ونحن لن نزيد في هذا المجال.
التساؤلات الضرورية ينبغي أن توجه نحو العرب أولا والمسلمين من غير
العرب ثانيا، ولعل أول
سؤال هو: هل تحبون
الرسول الكريم عليه السلام حقا وتغارون عليه؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال، علينا
أن نذكر بأسس محبة الله ورسوله، لأن محبة الرسول من محبة الله: قل إن كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم. فهل نقول ونفعل بما يؤكد اتباع الرسول
الكريم؟ لو كنا نفعل ذلك ما سب أحد رسولنا الكريم، لأنهم لم يروه، ولم يقرأوا عنه،
وإنما رأوا وقرأوا عن المسلمين في هجرهم دينهم وتذللهم للغرب والشرق، فسب الرسول
هو في الحقيقة سب للمسلمين، لأنهم لو كانوا اتبعوا الرسول ما ظهر عليهم ما يدعو
لسبهم أو سب رسولهم!
أول أمر يستحقون عليه السب وضع قرآنهم وسنة رسولهم في متحف لا
يزار، وبدلا من عبوديتهم لله صاروا عبيدا لمن يسبهم ولا يجرأون على الرد عليه فيسب
نبيهم! إن مقاطعة السلع الفرنسية أو حتى الغربية عموما جهل مطلق بأوامر الله وسنة
رسوله، فالتجارة مع الغرب والشرق لها منهج ميكيافيلي، هم يسيرون عليه ونحن نقلدهم.
فأين منهج التجارة الذي أوضحه الله سبحانه في قرآنه، وأوضحه نبيه الكريم في سنته،
وإلى أي مدى نتبعه! إن نتبع إلا منهج من يسب رسول الإسلام!
السؤال الثاني: هل سب الغربيين لرسول الإسلام يمثل حبا للمسلمين أو احتراما أو
خوفا منهم أو تقديرا لهم؟! أم يمثل حقدا على دينهم، وخوفا من هذا الدين أن يغلبهم،
فاستعبدوا أتباعه، وسبوا رسولهم، كما فعل الكفار به يوم دعاهم إلى الإسلام؟!
السؤال الثالث: كيف واجه المؤمن سب الكفار لنبيه في عهد الرسالة، حتى نتعلم منه؟
كانت أول وأهم مواجهة لسب الرسول من جانب المؤمن، هي ازدياد إيمانه بالله وثقته
بنصره، وتمسكه بتعاليمه ورسالة نبيه! وهذا ما ينبغي أن نفعل.
يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين
والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا.(٦) ثم
يقول تعالى في نفس السورة: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله
واليوم الآخر وذكر الله كثيرا، ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما، من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله
الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما،
ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قويا عزيزا.(٢١/٢٥) صدق الله العظيم.
ليس مطلوبا من المؤمنين الحرب أو السب أو المظاهرات أو غير ذلك من
الانفعالات، بل مطلوب منهم فقط أن يجعلوا الرسول الكريم قدوة لهم في أقوالهم
وأفعالهم وأن يصدقوا عهدهم مع الله، فيرد عنهم الذين كفروا بغيظهم دون أن ينالوا
خيرا، ويكفي المؤمنين القتال، فالله قوي عزيز ينصر رسله والذين آمنوا، وكان حقا
عليه نصر المؤمنين!
إن كنتم متعجلين في إدانة تصريحات بعض المسئولين الغربيين ارفعوا
قضية إلى محكمة العدل الدولية مستندين إلى ما كتبه المفكرون والعلماء الغربيين حول
شخصية الرسول عليه السلام!
0 تعليقات