عز الدين البغدادي
الثائر الماركسي والطبيب الشاب الوسيم الذي صار ايقونة للشباب
والثورة، ولد سنة 1928 في الأرجنتين، لعائلة من أصول إيرلندية وإسبانية؛ دخل جامعة
"بوينس آيرس" عام 1948 لدراسة الطب، وتخرج منها عام 1953، ثم انتقل بعد
تخرجه إلى مدينة مكسيكو للعمل في المستشفى العام.
تعرف على عدد من المنفيين من كوبا في غواتيمالا، كان من بينهم
راؤول كاسترو الذي عرفه في وقت لاحق على أخيه الأكبر فيدل كاسترو الذي شكل حركة 26
تموز/ يوليو وأصبح يخطط للإطاحة بالديكتاتور باتيستا المدعوم أمريكيا. انضم إلى
الحركة التي قادها كاسترو، وعلى الرغم من أنه كان من المقرر أن يكون مسعف المجموعة
القتالية، إلا أنه شارك في التدريبات العسكرية مع أعضاء الحركة.
بعد انتصار الثورة الكوبية بسنوات، ترك منصبه في الحكومة الكوبية
وقرر تشي المغادرة إلى أفريقيا عام 1965 ليقدم علمه وخبرته بوصفه خبيرا في حرب
العصابات إلى الصراع الجاري في الكونغو. لم يكن عبد الناصر مقتنعا بذلك وكان يرى
خططه للقتال في الكونغو بأنها "غير حكيمة" وحذر من أنه سيصبح مثل
"طرزان" هناك وهي تجربة محكوم عليها بالفشل.
بتأثير الأيدلوجية الثورية المتطرفة التي كان يؤمن بها والتي تعتبر
العنف الثوري مبررا ومقبولا لم يكن جيفارا مثاليا في تعامله، في زيارته لمصر سأل
جمال عبد الناصر عن تجربة الإصلاح الزراعي التي تم بموجتها توزيع الأراضي الزراعية
على الفلاحين، واستغرب عندما سمع من عبد الناصر أن الإقطاعيين لم تتم تصفيتهم لأنه
يريد أن يعيشوا كمواطنين، إلا أن الماركسي الثوري المندفع كان يرى أن هذا الأمر
يبدو غريبا وغير مقنع ولا ينسجم مع رؤيته الثورية الماركسية.
في كوبا أنشأ جيفارا أول معسكر للعمل القسري للأشخاص الذين نظرت
إليهم الدولة على أنهم من المعادين للثورة. وكان مثلي الجنس من بين العديد من
الجماعات المستهدفة في هذه المعسكرات.
لم يكن يتوقف كثيرا عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار بالعنف الثوري،
وكان يقول: في أوقات التوتر المفرط لا يمكننا المضي قدما في سييرا مايسترا، إلا
إذا قمنا بإعدام العديد من الأشخاص دون معرفة ما إذا كانوا مذنبين بالكامل.
كما كان يرفض فكرة حرية الصحافة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك ثورة
مع صحافة حرة لن تكون إلا أذا بقوى الرأسمالية. كان يرفض شرب الكحول، ويرفص لبس
ربطة العنق، ويرى ان هذين السلوكين يمثلان سلوك الطبقة البرجوازية. واذكر اني قرأت
بأنه في أيام النضال في انغولا كان يفرض قيودا على الاختلاط بين الجنسين ويمنع شرب
الكحول ولبس ربطة العنق.
كانت المرحلة الاخيرة في حيارة جيفارا هي بوليفيا، وكان يخطط
لتأجيج ثورة في بوليفيا وكان يتوقع أن يتعامل فقط مع الجيش البوليفي الضعيف الا ان
الامر لم يكن كذلك فقد أرسلت الحكومة الأمريكية فريقا من "السي آي إيه"
ومن قوات الكوماندوس الخاصة لمكافحة الثوار.
كان يتوقع أن يحصل على الدعم من السكان المحليين إلا أن الأمر لم
يكن كذلك، فقد اشتكى في مذكراته من أن "الفلاحين لا يقدمون لنا أي مساعدة
ويتحولون إلى مخبرين". وكانت توقعاته صحيحة فقد أبلغ مخبر من القوات
البوليفية عن موقع تشي في وادي غورو، وحوصر تشي في المنطقة، وجرح وأسر حين كان
يحاول القتال، وذكر جون لي أندرسون كاتب سيرة تشي في تقاريره عن رواية رقيب
بوليفي، أن غيفارا أصيب مرتين وعندما حصل عطل في بندقيته صاح: "لا تطلقوا
النار! أنا تشي غيفارا، وأساوي حيا أكثر مني ميتا".
اقتيد إلى مبنى مدرسة متهالك مساء 7 تشرين الأول عام 1967 ورفض أن
يستجوب من قبل ضباط بوليفيين، ووصف أحد الجنود البوليفيين حالة تشي بأنها
"مروعة" وكان شعره معفرا بالتراب، وملابسه ممزقة، لكن على الرغم من
مظهره المنهك يروي الجندي أن "تشي رفع رأسه عاليا ونظر للجميع مباشرة ولم
يسأل عن شيء إلا الدخان".
وتقول شهادات موثقة إنه في ليلة 8 تشرين الأول/ أكتوبر قام تشي على
الرغم من كونه مقيدا من يديه بركل ضابط بوليفي إلى الحائط، بعد أن حاول الضابط
انتزاع غليونه من فمه كتذكار.
في صباح 9 تشرين الأول/ أكتوبر أمر الرئيس البوليفي بقتل تشي، كان
الجلاد يدعى ماريو تيران نصف مخمور، وكان قد طلب إطلاق النار على تشي، بحيث يبدو
أن تشي قد قتل خلال اشتباك مع الجيش البوليفي.
قبل لحظات من إعدام تشي سئل عما إذا كان يفكر في حياته والخلود.
أجاب: "لا، أنا أفكر في خلود الثورة". ثم قال للجلاد: "أنا أعلم
أنك جئت لقتلي أطلق النار يا جبان إنك لن تقتل سوى رجل".
الرجل كان ابن مرحلته، مرحلة الفوران الإيديولوجي اليساري، كان
شجاعا بلا شك، لكن التاريخ لن يكون كما نحب.
ملاحظة: الصورة العليا أثناء زيارته للجامع الأموي في دمشق،
والصورة الثانية التقطت أثناء اعتقاله...
0 تعليقات