د. علي أبو الخير
إذاعة القرآن الكريم نور وضرورة تمليها الظروف الدولية على
المسلمين من مؤامرات لا تنتهي إلا لتبدأ، فهي ضرورة للتصدي للفكر التكفيري، ونور
للمؤمنين في كل مكان، ولكن في سياق مختلف هاجم شيخ وهابي اسمه أبو أسلم فى كلمة
عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" إذاعة القرآن الكريم
المصرية، وهو رأي يعّبر عن رأي كل التيار السلفي الوهابي، فهم يكرهون الإذاعة
القرآنية المصرية لأنها تذيع الابتهالات الدينية لكبار شيوخ الابتهالات مثل نصر
الدين طوبار وطه الفشني وسيد النقشبندي وعبد المسيع بيومي وغيرهم من كبار
المبتهلين، رغم أن الابتهالات الدينية تعتبر من أهم ما يرقق قلب المؤمن، منها المدائح
النبوية في سيرة خير البرية، ولكنهم يكفّرون الابتهالات المبتهلين، بالإضافة إلى
ما ذكره أبو أسلم "أن الإذاعة كما يزعم تستضيف شخصيات يبدلون أحكام الشريعة
الإسلامية ويضللون الناس فى الأمور الدينية، وأن برنامج دقيقة فقهية على إذاعة
القرآن الكريم ، ضلالٌ فى ضلال وأن إذاعة القرآن الكريم، تستضيف شخصيات، تحلل
الاحتفالات بعيد الأم، وترى أن ربا البنوك جائز، وسماع الموسيقى حلال، الأمر الذى
يعتبره هو مخالفا لصحيح الدين الإسلامى"، وهي كما نرى تهم لا تتفق لا مع صحيح
الدين ولا مع خلق المسلم، ولكن في المقابل تعطينا فرصة لإلقاء الضوء على إذاعة
القرآن الكريم في مصر.
الحقيقة أن إذاعة القرآن الكريم في مصر بدأ إرسـالها فى الساعة
السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383 هـ الموافق 25 مارس سنة
1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحا، ومن
الثانية حتى الحادية عشرة مساء بقرار من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وقد
اقتصرت على تلاوة القرآن الكريم فقط، ثم بدأ برنامج "في بيوت الله" يخطب
من خلاله كبار الشيوخ مثل الإمام الأكبر محمد بيصار والشيخ الإمام الأكبر محمد
الفحام والشيخ الشرباصي والشيخ الباقوري وغيرهم من كبار علماء الأزهر الشريف.
وحدث أن وصلت نسخ من مصاحف من غرب أفريقيا إلى مصر، فيها تحريف
خاصة الآية الكريمة "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه"، مكتوبة
بدون غير، لتصبح الآية "ومن يبتغ الإسلام دينا فلن يٌقبل منه"، وهو
تحريف متعمد، ووصلت النسخ إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فاجتمع بقرّاء القرآن
الكريم وعلماء الأزهر وطلب منهم مواجهة هذا الأمر الخطير، اقترح البعض طبع مصاحف
جديدة وارسالها، ولكن الأمر استقر في النهاية إلى ترتيل القرآن الكريم وإذاعته عبر
إذاعة القرآن بالصورة التي نستمع إليها الآن، وأول من رتل القرآن هو الشيخ محمود
خليل الحصري، حيث رتّل القرآن بقراءات حفص وورش وقالون، ولكن قراءة حفص هي الأشهر،
وبالفعل تم إذاعة الترتيل المبارك، ثم حذا باقي الشيوخ حذو الشيخ الحصري، وأشهرهم
الأربعة الكبار : محمود صديق المنشاوي ومصطفى اسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد
ومحمود علي البنا، فخمدت فتنة تحريف المصاحف المزورة، خاصة بعد أن توجهت الإذاعة
للغرب الأفريقي بلغة الهوسا الأفريقية، وإلى باقي دول العالم.
وخلال المد الوهابي حاول شيوخ السعودية إذاعة تلاوتهم للقرآن عبر
الإذاعة المصرية ولم يفلحوا في الأمر نظرا لدقة القرّاء المصريين، وامتحانهم
العسير للمتقدم ليكون مقرئا للقرآن، والشيوخ الحذيفي والسديس وغيرهما حاولوا، ولكن
وجدت عندهم أخطاء منعتهم من دخول الإذاعة المقدسة، مع العلم أن رئيس لجنة الاستماع
في وقت من الأوقات لمن يريدون الالتحاق بالإذاعة المصرية قرائا للقرآن هو
الموسيقار محمد عبد الوهاب، لأن قرئ القرآن لابد أن يدرس الدرجات الموسقية والعروض
الشعرية..
ثم تطورت الإذاعة القرآنية المصرية، ففى منتصف الثمانينيات سجلت
مصاحف مرتلة لعدد من القراء هم: أحمد نعينع، ومحمود حسين منصور، وأحمد عامر،
والشحات محمد أنور، وعلي حجاج السويسي، ومحمود صديق المنشاوي، ولكنها اقتصرت
الترتيل على الخمسة الكبار المشهورين الأوائل.
ومنذ شهر مايو 1994م بلغت مدة الإرسال لإذاعة القرآن الكريم أوجها،
حيث تقرر استمرار إرسال شبكة القرآن الكريم على مدار الأربع والعشرين ساعة، وقد
بدأ إرسالها بإذاعة القرآن الكريم مرتلًا بقراءة حفص عن عاصم للشيخ محمود خليل
الحصرى، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملا بتسلسل السور والآيات، كما أنزلها أمين
الوحي جبريل عليه السلام على قلب سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، واليوم توجد برامج جديدة متطورة، منها البرامج التي لا تتعدى مدتها خمس
دقائق، وبرامج حول قضايا المرأة وتجديد الخطاب الديني، والتقريب بين المذاهب
الإسلامية، ويصل إرسال إلى كل دول العالم، وخاصة للجاليات المسلمة في الدول
الأوربية، والكمال لله وحده...
0 تعليقات