د. محمد السعيد عبد المؤمن
لماذا سميت السورة باسم محمد، رغم أن هذا الاسم لم يذكر في كل سور
القرآن، وذكر في هذه السورة مرة واحدة؟!
محمد هو الاسم الرسمي الذي ينادي به الرسول الكريم، وأسماؤه كلها
صفات وعلامات، ورغم أن محمدا صفة، إلا أنه يشبه في ذلك أسماء الله الحسنى، فهو
الاسم الحسن.
لكن اختيار اسم محمد لهذه
السورة هو تأكيد على المنهج وكأنه صفة له، فهو لم يكن منادى، ولا مخاطبا ولا غائبا
ولا متحدثا، فضلا عن أنه لم يأت في الآية الأولي، ومن ثم فهو منهج يخاطب الله به
الناس كفارا ومؤمنين، يقول الله تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم،
والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نُزّل على محمد وهو الحق من ربهم كفر
عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم، ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا
اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم.
إن هذا المثل جدير بالتوقف عنده، لأن المطلوب من المؤمنين أن
يكونوا محمدا ليس بالاسم بل بالمنهج، فمنهج المؤمن صفاته. فتلك الآيات الثلاث التي
ضرب الله بها المثل، قد أعقبها أمر في منتهى الخطورة، حيث يبين كيفية الدفاع عن
المنهج موصولة بهذه الآيات بحرف الفاء، يقول تعالى: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في
سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم.
لقد فتت المفسرون الآيات، ولم يلتزموا السياق، فقطعوا أوصال المعني
الذي فهمه صحابة محمد رسول الله والمسلمون الأوائل، لأن الآية الرابعة وما تبعها
من آيات تدخل في سياق ما سبقها، وليست منفصلة عنها، فالكفار ليسوا في زحف أشارت
إليه الآية الرابعة، بل المسلمون، والفعل يؤكد ذلك: (فإذا لقيتم)، بل إن المسلمين
هم الذين خرجوا للحرب شاهرين السلاح:(فضرب الرقاب) قاصدين هزيمة الكفار بقتلهم أو
أسرهم:(حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها) لم الحرب إلى منتهاها؟
والله قادر على هداية
الكفار أو الانتصار منهم!
القضية هنا قضية منهج، وموقف الله سبحانه اختبار لثبات
المنهج:(ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) وهو في سياق الاختبار يقدم المكافأة لمن استشهد
أو عاش:( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم) وهو
نفس ما وعد به أصحاب المنهج في الآية الثانية، فالهداية للمنهج هداية للجنة:(
ويدخلهم الجنة عرفها لهم).
جاءت الآية السابعة تؤكد أن نصرة المنهج نصرة لله: يا أيها الذين
آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
في حين أن من كفر بالمنهج فشل وعاش في ضلال: والذين كفروا فتعسا
لهم وأضل أعمالهم، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم.
ثم تأتي الآيات اللاحقة ببيان الدروس السابقة التي عوقب الأولون
على الفشل فيها: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر
الله عليهم وللكافرين أمثالهما.
تتوالى الآيات لتشير إلى الفرق بين ولاية الله وعدم وجود ولاية
للكافرين، الذين يصفهم بالأنعام في منهج حياتهم، فضلا عن الفرق بينهم في الآخرة.
ولما كانت القضية قضية منهج، فالرسول الكريم محمد هو المعلم، يقول
تعالى: ومنهم من يستمع إليك حتي إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا
قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم.
ويستمر بيان المنهج للمؤمنين أيضا، يقول تعالى: ويقول الذين آمنوا
لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض
ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم، طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر
فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم، فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا
أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم، أفلا يتدبرون القرآن أم
على قلوب أقفالها، إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان
سول لهم وأملى لهم، ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر
والله يعلم إسرارهم.
يا من سول لكم الشيطان وأملى لكم الخروج على منهج محمد فارتددتم
على أدباركم من بعد ما تبين لكم الهدى، اتقوا الله وعودوا إلى منهجه، وإلا!
يقول الله تعالى: فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم
وأدبارهم، ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، أم حسب
الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم؟!
لأهمية المنهج وضرورة اتباعه كررت الآيات التالية بأسلوب آخر نفس
معني الآيات السابقة، لكن ماورد في ختام السورة يقشعر منه البدن، يقول تعالى: وإن
تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. صدق الله العظيم.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد!
0 تعليقات