آخر الأخبار

لا تنحنوا كثيرا

 


 

 

عمر حلمي الغول

 

تمر في حياة الأفراد والأحزاب والمؤسسات والشعوب لحظات صعبة، ومنعطفات خطيرة تعصف بالاستقرار، وتهدد المستقبل، وتخلق جوا من الضبابية والغموض واللايقين بما ستؤول إليه الأمور بين قطاعات واسعة من المستهدفين، ليس هذا فحسب، إنما تعمق حالة الإحباط والقنوط واليأس والقلق من بكرا، وترتفع نسبة الفاقدون للأمل، والباحثون عن ملاذ بأبخس الأثمان، أو اللجوء للهرب والهجرة، أو بيع المؤسسة بثمن بخس، وفي حالة الأحزاب قد تصل لحالة الانقسام والانشقاق، إن لم يتم ضبط إيقاع التنافر والتناقض، وفي وضع الشعوب تكون الأمور خليط من التيه والفوضى وتعمق الاضطراب خاصة عندما تنعدم الثقة بين القيادة والشعب، او تؤلب القوى المعادية الشعوب على قياداتها من خلال استعمال أدواتها وعملائها ونفوذها المركب.

 

في مثل هذه المحطات الصعبة والإنعطافية تسلتزم الضرورة من اي مستوى قيادي إنطلاقا من الذات الفردية مرورا بكل المستويات حتى الشعب العمل على الآتي: اولا ضبط الحالة النفسية، وتعزيز شرط التماسك الداخلي، وإبعاد شبح الانهيار والهزيمة عن البؤرة والنواة الصلبة؛ ثانيا وضع خطة طوارئ لإيقاف التداعيات السلبية الناجمة عن المنعطف الحاصل؛ ثالثا تعميق وتعزيز العلاقة مع الإطار المحيط بدءً من "الأنا" وصولا للشعب، وتجسير العلاقة يحتم كسر منظومة واليات العمل السابقة، وانتهاج سياسات جديدة أكثر تواضعا والتصاقا بعوامل القوة الباقية؛ رابعا حشد كل الإمكانيات الذاتية والنصيرة في الداخل والخارج لتعزيز الصمود؛ خامسا العمل وفق خطة سريعة لنقل الأزمة للآخر، والتخفيف من تداعياتها على الذات الفردية أو الحزبية أو الوطنية أو القومية.

 

من المؤكد في الحالة الفلسطينية أغنت التجربة المريرة الخبرة والدراية في مواجهة التحديات والانعطافات.

 

لا سيما وان الشعب عانى ويعاني منذ ما يزيد على السبعين عاما من النكبات والازمات المتلاحقة، والتي تعاظمت مع تبوأ الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة مطلع العام 2017، مع إشتراكه بثقل الولايات المتحدة، القوة العظمى الأولى في العالم حربا مباشرة مع اسرائيل وإلى جانبها المصالح الوطنية، مما أحدث ارباكا في إدارة الأزمة والسياسة الفلسطينية، رغم وضوح الرؤية، والنجاح في وضع النقاط على الحروف. بيد ان الترجمة لم ترق للمستوى المطلوب، وزاد من تفاقم التشويش عندما إنحدرت المنظومة العربية الرسمية إلى القاع إن بقي هناك قاع نتاج العصا الأميركية الغليظة، التي دمرت كل الموانع ونقاط الإرتكاز العربية الرسمية، ونجحت في إحداث إختراق حقيقي وواسع في المنظومة العربية تمثل بالإنهيارات في مركبات النظام الرسمي العربي في الثالث عشر من آب/ أغسطس الماضي (2020)، مع شروع الإمارات العربية المتحدة في الإستسلام، ولحق بها عدد من الأنظمة المتهافتة مع رضوخها لإملاءات العدو الصهيو اميركي المعادي السلام، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وقضيته وأهدافه الوطنية. الأمر الذي املى على القيادة الفلسطينية التصدي لصفقة القرن وتداعياتها المختلفة، وإشهارها سيف الرفض للسياسات العربية الانهزامية المتخاذلة، واستدعاء السفراء الفلسطينيين من بعض الدول المتورطة في التطبيع. والتحرك على المستوى الإقليمي والدولي بهدف تنشيط الحركة السياسية والدبلوماسية لتفعيل عملية السلام بالقدر الممكن والمتاح، وهو ما حصل فعلا يوم الإثنين الماضي الموافق 26/10/2020 في جلسة مجلس الأمن المفتوحة.

 

بيد ان الموقف الفلسطيني، الذي أنحنى أمام العاصفة، ودَّور زوايا، لم يذهب بعيدا حد التطير، ونفذ خطوة عملية جدية على صعيد المصالحة، رغم ما شابها، ويشوبها من اللايقين في بلوغ أهدافها، إلا ان الموقف الفلسطيني واجه شيء من الإرباك والوهن لجهة أولا غياب التوازن في العلاقة مع الدول العربية، وعدم الكيل بمكيال واحد تجاهها، واقصد المتورطون في التطبيع، او من يقفون خلفه؛ ثانيا زيادة نسبة الانحناء أمام العاصفة الخطيرة، ولهذا ثمن غالي على الموقف والمصالح الفلسطينية. لإن شدة الإنحناء تكسر الظهر، ولا تقويه، ولا تنقذ الذات والرأس الفلسطيني من مقصلة المطاردة والضغط لفرض الإملاءات عليها؛ ثالثا غياب الرؤية والخطة التكتيكية والإستراتيجية مع الحالة العربية؛ رابعا رغم وضوح الخطة والموقف الفلسطيني في العلاقة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، إلآ أن تنفيذها عاني من التعثر والإرباك والتردد عموما وفي ملف المقاومة الشعبية، وغياب دور الهيئات المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحديدا المجلس المركزي خصوصا.

 

 

نعم اتسم الموقف القيادي الفلسطيني في مواجهة صفقة ترامب، والسياسات والانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة بالشجاعة، لكنه أيضا عانى من القصور في أشكال المواجهة على الأرض، ولم تتمثل القوى السياسية دورها، ومازالت تعيش في حالة انتظار، وترقب لعل حلولا تنزل عليها من السماء! من المؤكد لست مع التطرف، وضد التطير، وضد الفوضى، وضد التخلي عن اي ثابت من الثوابت الوطنية.  ولكني بذات القدر ضد الهبوط، والانحناء الزائد وخاصة أمام بعض القوى العربية الرسمية، التي تدير ملف التطبيع من خلف ستار واه، ومكشوفة ومعروفة لدينا جميعا. لذا نحن بحاجة إلى إعادة نظر في عدد من المفاصل وبهدوء وحكمة، ولكن بشجاعة وقوة، ودائما مع الفصل بين الحكام والشعوب، حيث لا يجوز الربط بين الشعوب ونخبها الوطنية والقومية والديمقراطية وبين بعض زمر الحكام الفاسدين، وتجار بيع الأمة، وليس قضية فلسطين فقط في سوق النخاسة الصهيو أميركي.

إرسال تعليق

0 تعليقات