أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
توقفت عند قول الله تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر
فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا
خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم.(البقرة١١٤)
لم كل هذا الاتهام؟ ولم كل هذا السخط، ولم كل هذا العذاب في الدنيا
والآخرة؟!
ليست المسألة أن المساجد
حرم الله، بل القضية أعمق من ذلك، لقد اختار الله للمسلمين المساجد مقرا للصلاة
والسجود، مكانا للجوء العباد، مكانا للأمن!
إن كان هذا كله تقديرا لله وإقرارا بألوهيته، فما الفائدة التي
يمكن أن تعود علي المسلم من المسجد، أهي السكينة؟ أم المغفرة؟ أم استجابة الدعاء؟
كل هذا يمكن أن يتحقق
للمسلم في أي مكان، في بيته أو مكان عمله، أو مكان نزهته!
من ثم فلابد أن تكون هناك فائدة لا تتحقق إلا في المسجد، وإلا ما
جعل الله من يمنعها أو يسعى في خرابها ظالما، بل أكثر الناس ظلما، يدب في قلبه
الخوف، وجعل لهم خزيا في الدنيا وعذابا عظيما في الآخرة؟!
فقد أدخل الله سبحانه بين هذا وذاك العمل الأهم الذي يتم في
المساجد، وهو: أن يذكر فيها اسمه، وذكر الاسم ليس صلاة فقط، ولا دعاء فقط، ولا
تسبيحا وتهجدا واعتكافا فحسب، بل تلقي العلم من الله، فتلاوة القرآن في المسجد
تليغ لعلم الله، وذكر اسم الله فتح للمسلم بعلم. يقول تعالى: كما أرسلنا فيكم
رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لا تكونوا
تعلمون، فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون.(البقرة١٥١/١٥٢) ويقول سبحانه:
فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون.(البقرة٢٣٩) ويقول تعالى:
الرحمن علم القرآن.(الرحمن١) ويقول تعالى: وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك
ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما.(النساء١١٣).
ثلاثة رموز للعلم لهم نفس القدسية وعليهم نفس الواجب، وكلهم حرم،
المسجد حرم والمدرسة حرم والجامعة حرم، فمن سعي في تخريب أحدها استحق أقسى العقاب،
مهما كان مركزه، ومهما كانت وظيفته، تلميذا كان أو أستاذ، فراشا كان أو مديرا،
موظفا كان أو وزيرا، فكما أن من الذنب العظيم أن نهدم مسجدا، فنفس الذنب لمن يهدم
مدرسة أو جامعة، فكما أن المسجد حرمه الله فهكذا المدرسة والجامعة، ذنب الاجتراء
عليه ما يفوقه ذنب، وجريمة ليس فوقها جريمة.
إن هدم المسجد أو المدرسة أو الجامعة ليس في هدم أحجار أو طوب أو
أسمنت أو أخشاب، بل الأهم هو هدم الأئمة والعلماء والأساتذة والمعلمين والطلاب
والتلاميذ، هو هدم مناهج التعليم الصحيحة، ومقررات الدراسة، أو تحريفها، أو
الانحراف بها بعيدا عن علم الله، هو فصل الدين عن العلم، هو تسطيح التدريس، وتشويه
صورة المعلم وتنزيل مكانته، والتساهل في أداء واجب التعليم وعدم الإنفاق عليه. هو
السخرية من العلم والتعليم والعلماء، أو الكذب والتضليل حولهم. يقول تعالى: إنما
يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا
الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.(التوبة١٨) طلب العلم في المسجد كما في
المدرسة والجامعة دعوة من الله، فلا ينبغي أن تدرس فيها العلوم الإلحادية والعلوم
الظنية، يقول تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا.(الجن١٨)
المسجد كما المدرسة والجامعة حرم جدير بالاحترام والتقدير، لا
يدخلها كافر أو فاسق أو مجرم أو مفسد أو غير طاهر، بل أمر الله أن نتزين عند دخولها،
يقول تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا
يحب المسرفين.(الأعراف٣١) السماح بالأكل والشرب دون إسراف دليل على الإجهاد نتيجة
جدية التعليم وتلقي العلم داخل المسجد، ولا ضير من اتخاذ المساجد ساحة للعلم
والتعليم بكل تخصصاته، فتدخل في زمرة المدارس والجامعات، كما الأزهر والحسين،
فيعود لها دورها السابق الذي افتقدناه.
0 تعليقات