علي الأصولي
كل الأحكام العقدية والفقهية ناظرة لحركة الإنسان - الكمالية -
فالفرد مطالب بالإيمان لرقي كماله ومنهي عن الكفر والضلال لتجنب تسافل كماله، وعلى
فلسفة الكمال تدور الأحكام - العقدية والفقهية - وهذا الأصل الذي عليه مدار
التكليف والأوامر والنواهي،
فمثلا: عندما نطالع في المصادر الحديثية الإمامية ثمة أحاديث تكفر
من لا يعتقد بولاية أمير المؤمنين(ع) فهذه الأحاديث لم تأتي من فراغ ولا يمكن
رميها بالضعف والوضع بجرة قلم، بناء على ضرورة التعايش السلمي وعناوين المواطنة
الحديثية المحترمة، ولا مناص والذهاب قرآنيا للوقوف على جذر هذا التكفير وهل له
وجود أم لا حتى نتحرك لتقييم طبيعة هذه المرويات ،
قرآنيا ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما
بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) المائدة 67/
وقوله ( وآمنوا بما أنزلت مصداقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به)
البقرة 41/ ومن عقائدنا الثابتة أن الكفر في هذه الآيات هو الكفر بولاية علي بن
أبي طالب(ع) أو قل كفر بالتنصيب الذي نؤمن به على ما جاء في تراثنا الحديثي،
وهو بالتالي راجع إلى كفر الجحود ، وهو منقصة في خط الكمال وطريق
طويل عن الكمال المرسوم من قبل الله ورسوله واهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم )
وقد قرر في محله - إن التوقف بالكمال تسافل -
إذن: يوجد عندنا ثمة مصطلحات - إيمان كفر ضلال نفاق - ولنا أن نقف
على بعض الآيات ذات الصلة( من كفر بالله من بعد إيمانه .. ) النحل 106/ وقوله (
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا بل قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )
الحجرات 14/ وكما نلاحظ تارة إن الكفر يقابله الإيمان وتارة الإيمان يقابل
الإسلام، فلا إشكال كونك مسلما ولكن لست مؤمنا ، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، وكيف
اتفق: الإيمان معقود بالقلب والإسلام مداره مدار التشهد باللسان وعليه حقن الدماء
والأموال والأعراض وصحة المناكح والتوارث،
ما يهمنا هو أن القران له أكثر من مورد ككفر الحاد وكفر جحود وكفر
نعمة ونحو ذلك، فالكفر الحديثي أيضا له نفس تعدد هذه الموارد ،
إذن وعلى ضوء ما تقدم نفهم معنى التكفير المذهبي في الجملة وهو عبارة عن كفر جحود
- بشرط العلم والالتفات - وهذا النوع من الكفر مسبب ببعد الإنسان عن خط كماله
التصاعدي باطنيا ، بل يبقى في مسيرة الكمال العرضي لا الطولي، مع قابلية الانزلاق
بالتكامل التسافلي كما يعبرون عرفائيا، ولذا سمعنا على ضوء ذلك أن الولاية شرط
لقبول الأعمال ومن لا يعتقد بولاية علي (ع) لا يقبل منه عمل ،
وعدم قبول الأعمال لا يعني عدم أجزائها ولا ينبغي إغفال هذا القيد
في المقام، فكفر الجحود وعدم الالتزام بالولاية لا يعني أكثر من عدم قبول العمل مع
أنه مجز إذا كان مستوفيا لبعض الشرائط ومنها الإخلاص بعد التوحيد ، المهم أن الا
يكون الجاحد بالولاية ناصبا ومبغضا، إذ أننا نرى الأكثر منهم لا يخرج عن دائرة
القاصر والمستضعف،
ولذا فقها أن المستبصر لا يعيد أعماله في حال الاستبصار من صلوات
وحج ونحو ذلك ، بل فقط الزكاة كما جاء في النصوص، وعدم الإعادة هو لمكان اجزائها
في ذلك الوقت وأن لم تكن مقبوله بناء على النص الشرعي القرآني والحديثي والمباني
الكلامية،
خلاصة ما تقدم: كان الكلام كل الكلام ناظرا للحصة الكلامية والكفر
الكلامي وما يترتب عليه باطنيا بلسان العرفاء أهل الكمال،
أجد أن أحد أهم أسباب الخلافات هو راجع بالأصل لعدم تحرير محل
النزاع ، وبيان الموضوع ، موضوع الكفر وما دامت المستندات تحت اليد يمكن الوقوف
على معناه بعد لحاظ تقسيمات الكفر،
لغة: الكفر إسم فاعل من كفر يكفر ، جمعه كفار وكفرة وكافرون،
والأنثى كافرة وكافرات وكوافر، ومعناه الستر والتغطية راجع معاجم أهل اللغة أن شئت
المزيد من التوسعة،
واصطلاحا: فهو على أربعة أنحاء:
(١) كفر إنكار:
(٢) كفر جحود:
(٣) كفر معاندة:
(٤) كفر نفاق:
وهناك وجوه ومعاني أخرى لمعنى الكفر ولكن ما ذكرناه أهمها على
الإطلاق وعليه مدار البحوث، وأن كان كل ما ذكروه ترجع لهذه الإنحاء بشكل أو بآخر ،
بالمحصلة: الكفر أما كفر عقيدة وأما كفر عمل والأول كالملحد
والثاني كتارك الحج مثلا مع الاستطاعة ،
وهناك تقسيمات أخرى ثانوية ذكروها للكفر منها الكافر الحربي وغيره،
أو الكتابي وغيره، والمرتد الفطري والملي،
ما يهمنا هو أن لفظ الكفر قرآنيا - اسم جنس - ومعلوم أصوليا أن
إرادة العموم من المطلقات وأسماء الأجناس لا تتم إلا بقرينة لفظية أو عقلية أو
بمقدمات الحكمة، فإن كان العموم من لفظ الجنس فيكون لفظيا وأن كان بلحاظ مقدمات
الحكمة فلا بد من كون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب القرينة الصارفة على خلاف
الظاهر ، فيسمى بالتالي العموم الحكمتي، والنتيجة أن الكافر هو كل من فسدة عقيدته.
ما نريد بيانه، أن الإسلام يقابل الكفر والمسلم يقابل الكافر كما أن الإيمان يقابل
الكفر والمؤمن يقابل الكافر، ولا نعني بالمؤمن إلا بمعناه الأعم،
روائيا: الإيمان يلحظ على أقسام ثلاثة:
(١) إيمان بالمعنى الأعم - وهو ما يشمل أهل السنة -
(٢) إيمان بالمعنى الأخص - وهو خاص بالامامية - كما نعتقد
(٣) إيمان الخواص - وهم اصحاب الدراجات الرفيعة من أهل الحق -
فقهيا: حكم الفقهاء على جملة من الفرق المنسوبة للإسلام بل وحكموا
عليهم بالنجاسة أيضا، وكيف كان: الكفر الفقهي اما أن يكون أصليا أو عرضيا أو حكميا
، والأول هو ما ذكرناه سابقا كفر الإنكار من رأس، أما بالله أو برسوله والأول - هو
الملحد والثاني هو الكتابي - وعلى ذلك رتبوا عليهم الذمة وأحكامها،
بل ويشمل أهل الذمة حتى غير الكتابي أيضا ما دام في ذمام الإسلام وأهله.
والكفر العرضي فهو خاص بالمرتد فطريا كان أو مليا ،
والكفر الحكمي: فهو نسب لبعض الطوائف :
(١) الغلاة.
(٢) النواصب.
(٣) الخوارج.
(٤) المجسمة
(٥) الحلولية.
(٦) التناسخية.
هذا مجمل ما ذكروه في مصنفاتهم الفقهية وهي خارج عما نريد التعرض
له الا انه جاء العرض على نحو الاستطراد.
وهنا أود أن اطرح موضوعة بحثية منهجية خاصة بكفر الجحود وقد ذكرتها
مرارا وتكرارا وموضوعة إنكار الإمامة،
وهي ببساطة ووضوح أن أحاديث كفر من لا يؤمن بالولاية فهي ناظرة
لسياقها التاريخي، يعني يترتب الكفر الإنكاري الجحودي على من قامت عليه الحجة
والبيان في عصر النص ولا يمكن شمولها بنفس العنوان إطلاق صفة الكفر الإنكاري
الجحودي في زمان الغيبة وكثرة التاؤيلات وتداخل الآراء الكلامية العقائدية ،
نعم: من قصر مع إمكان المعرفة بعد حصولها ، فهو مشمول بالكفر الإنكاري
الجحودي وهذا لا يعني الإفتاء بوجوب الفحص عن المذاهب عن بكرة ابيها للوقوف على
الحق واهله فهو من التكليف العسري أو قل التكليف بالمعسور مع كثرة دعوات المذهبية
الداعية لنفسها وكونها على الحق،
وأما في أزمنة عصر النص فالأمر سهل خاصة مع حضور المعصوم بين
اظهرهم وقلة المذاهب آنذاك فيمكن معرفة الحق من منتحله ومع ذلك فالمعصوم لم يشدد
على الناس الا بمقدار المكنة والسعة والطاقة ولا تكليف خارج ذلك النطاق،
وعليه: لا يمكن تكفير أهل السنة باطنا والحكم عليهم بالإسلام ظاهرا
، فهم بالتالي مؤمنون بالمعنى الأعم ومسلمون ظاهرا وواقعا أو قل باطنا ، والكلام
طويل نكتفي بهذا المقدار من البيان مع التزمنا بقول أن الإمامة بمعناها الشيعي
مذهبية ولها جذر قرآني عام ، والتفصيل في غير هذا المقام والحمد لله الأول والأخر
والظاهر والباطن ،
0 تعليقات