آخر الأخبار

حسن هلال المسيحي

 

 


 

 

 رضا النجار

 

ناس كتير أتكلمت عن فيلم الممر .. وقالوا إن فيه نقطة سـلبية جدا وهي عدم وجود جندي مسيحي رغم إن في حرب أكتوبر كان عدد كبير جدا من قادة الفرق مسيحيين .. لكن النـاس مش عارفة إن الجندي هلال هو شخصية مسيحي منياوي .

 

هل تعرف شخصية هلال في فيلم الممر الحقيقية لماذا سمى ابنه "حسن"؟!

 

في شهر مايو 1974 دقت أجراس مطرانية المنيا، استعداد لصلوات الإكليل للعريس هلال (مسعد ) حنا عبد المسيح من قرية تله ، علي مريم جرجس قلادة .

 

جلس العريس والعروسة على الخورس أمام المذبح استعدادا لبدأ الصلوات وهو يرتدي جلبابا أبيض ويلف رقبته بشال أبيض، كان العريس نحيف القوام جاحظ العينين طويل الوجه مع شارب خفيف أسفل أنفه المدبب ، كان زائغ النظرات ، ينقل عينيه سريعا في قلق بين المدعوين وباب القاعة الرئيسية، ويرسم علي وجهه ابتسامة باهتة..

 

لاحظت العروس ما به فسألته عن سبب قلقه ، ابتسم وقال : لاشئ ، راح يتمتم لنفسه : ربما لن يأتي ، ربما لم يصله التليغراف ، ربما كانت مشغولياته تمنعه .. بينما صعد علي الخورس القسوس والقمامصه لبدأ الصلوات ، وسط سكون وهدوء الحضور والمدعوين .

وفجأة علت همهمة بين الحضور بدأت وتيرتها ترتفع ، استرعي ذلك نظر الآباء الكهنه وتم وقف الصلوات ، دخلت مجموعة من الخفر والعساكر و أمناء الشرطة ، يتبعها مأمور قسم المنيا ، بدأ الجميع يتوجس خيفة ، أنهم قرويون بسطاء لم يروا هذا المأمور إلا في المناسبات القومية ويوم وقفة رمضان والعيد ...

 

أيكون معزوما ؟ وفي فرح من ؟ مسعد ابن فريال؟ أم حضروا للقبض عليه لأنه ارتكب مصيبة، بينما ارتسمت البهجة على وجه هلال .

 

تقدم المأمور وجلس في الصف الأول ، وفجأة بدأت الهمهمة تتزايد ، ودخل ضابط جيش عظيم تحيطه الشرطة العسكرية وعدد من الضباط الصغار ، انه هو من يرونه فى التلفزيون اللواء أ.ح "حسن أبو سعدة" قائد الفرقة الثانية مشاة-وقتها- ثم بدأ المدعون يقفون للزائر الجديد ، ويطلقون الزغاريد ، وتلتهب أكفهم بالتصفيق ! فالزائر يعرفونه جيدا فقد كان فى طليعة الجيش الذي أقتحم خط بارليف ، وما أن رآه هلال حتي سحب يده من يد القس وقفز من فوق الخورس مهرولا نحو الزائر الجديد ، تعانقا طويلا، صاح هلال والدموع تختلط بكلماته "كنت عارف إنك مش هاتكسر بخاطري وهاتحضر جوازي رغم مسئولياتك ومشاغلك"، ربت اللواء علي كتف مسعد وقال "الوعد يا هلال".

 

أصطحب مسعد اللواء حسن الي الصف الأول وجلس بجانبه ناسيا العروس والإكليل حتي نبهه القس، صعد للخورس وعيناه لم تزل معلقة علي اللواء وبمجرد انتهاء صلوات الإكليل صعد اللواء إلى الخورس ومسك بالمايك ..."لقد جئت من مسافة 650 كيلو لأحضر فرح هلال ، وفاء لوعد قطعته علي نفسي أمامه.

 

وواصل اللواء كلامه وهو يشرح ويحكى لأسرة هلال : هذا الرجل الذي يجلس أمامكم ليس رجلا عاديا إن بطولاته تدون في كتب لن أنسي أول مرة رأيته فيها ، كان أشبه بالطفل الذي ضاعت منه أمه في الزحام ، يخاف من كل ما حوله ، وقلق من كل شئ .، ينظر لما حوله بتوجس، فهو لم يخرج من حدود قريته وتم تجنيده .. أخذوه من الدار الي النار ، أشفقت عليه ، ضممته الي المجموعة الخاصة بي ، كنت أراه ينظر للدبابة في دهشة بالغة وأحيانا كنت أراه يدور حولها ليكتشف هذا الكائن الأسطوري.

 

ذات يوم دخل لمكتبي ، وطلب الانضمام لفرقة الآر بي جي التي تنظمها القيادة، قلت له إن هذه الفرقة قاصرة علي المتعلمين وأنت لا تجيد القراءة ولا الكتابة ، فجأة مال علي يدي ليقبلها حتي أوافق، رأيت في عينه إصرارا غريبا، قبلت علي مضض وتحت مسئوليتي .. المفاجأة أنه كان الأول دائما علي جميع أفراد الفرقة .

 

اشترك فى حرب الاستنزاف فى معارك خلف خطوط العدو ونفذ معانا عدد من العمليات البطولية كنا نرعب العدو ونستنزف قواه ، وجعلنا جنوده يعرفون أن هناك أبطالا فوق العادة سيستعيدون يوما الأرض، وان بقاءهم مسألة وقت لا أكثر .

 

ثم بدأت الحرب وعبرنا القناة وكان هو في مجموعة القناصة هاجمنا اللواء 190مدرع بقيادة عساف ياجوري ، تصدت له كتيبة الآر بي جي وعلي رأسها هلال ، كان كل صاروخ علي كتفه يساوي دبابة ، لم يخطئ مرة واحدة ، نفدت ذخيرته الصاروخية ، وفجأة لمح دبابة تهرب من ميدان المعركة وتكاد أن تفلت، فجأة ينطلق خلفها مسعد يسابق الريح ، يقفز علي مؤخرتها كالنمر الكاسر، يفتح باب برجها ويلقي داخله بقنبلة يدوية ، ثم يقفز بسرعة رهيبة ، لتتحول الدبابة الي كتلة من النيران ، ثم تأتي مجموعة من العربات المجنزرة ويتم التعامل معها ، تتعطل عربة ويهبط منها ضابطان يجريان ناحية الأحراش، ينطلق خلفهما مسعد دون انتظار أي أوامر بالاشتباك ، يغيب لدقائق ثم يعود ووجهه مضرجا بالدماء وهو يسحب أحد الضابطين من قدمه ليلقيه أمام زملائه .

 

ثم يعاود الدخول للأحراش مرة أخري كنمر يعرف جيدا بقايا فريسته، يتأخر حتي يأكلني القلق عليه فادفع بمجموعة من الجنود للمساعدة ، وفجأة يخرج هلال بنفس الصورة ساحبا الضابط الآخر من قدمه هذه المرة يسقط مغشيا عليه ، نقلته للمستشفي، لأفاجأ في اليوم التالي بمسعد يقف أمامي وقد غطي وجهه وزراعه بالضمادات ، عاد وهو يحمل علي كتفه مجموعة جديدة من الآر بي جي .. نلتحم ثانية مع تبة حصينة ويكون هلال أول المقتحمين !

 

ثم تنتهي الحرب ويسلم مسعد مهماته العسكرية، يتقدم مني علي استحياء ويعانقني ثم يقول لي "لي عندك طلب ، أنا هاتجوز قريب ، ممكن تشرفني في الفرح" ربت علي كتفه وقلت له "أعدك يا هلال ". يصلني بالأمس تليغرافه ، لم أكن أستطيع التخلف عن هذه المناسبة ، اعتبرتها واجب قومي وأقل شئ يقدم لهذا البطل"..

 

كانت العروسة تسمع هذا الكلام وتنظر لمسعد غير مصدقة .. أهذا الشاب الخجول يصنع كل هذه البطولات ، تهمس أم العروس في أذن ابنتها "ده اللي كنتي مش عايزاه يابنت الكلب"!.

 

 يستأذن اللواء حسن في الانصراف ويصر هلال أن يترك عروسه ويوصله لمحطة القطار ، وقفا سويا يستعيدان ذكريات الحرب ، ثم أقبل القطار فأخرج اللواء حسن مظروفا دسه في جيب هلال ، ثم قال له وهو يودعه "عايزك راجل يلا في بيتك زي ما كنت في الحرب"! يضرب هلال علي صدره بفخر "إحنا أسود يافندم"..

 

يعود هلال لقاعة الفرح للمطرانية ليستكمل الاحتفال ، ليفاجأ بالحضور وقد اصطفوا في استقباله كحرس شرف ، هذا يسلم عليه وهذا يقبله وذاك يعانقه ، وبعد تسعة أشهر يرزق مسعد بمولود ذكر، يصر علي أن يسميه حسن رغم اعتراض الجميع ، ولكن من كان يستطيع أن يعارض أسدا بمخالب وأنياب ؟!!

مفيش حاجه اسمها مسلم ومسيحي .

« من أرشيف المخابرات المصرية »

 

إرسال تعليق

0 تعليقات