آخر الأخبار

مقالة في التلقيح الصناعي ..

 


 

 

 

علي الأصولي

 

من المسائل التي كثر فيها الكلام هي مسألة - تلقيح المرأة - بحويمن - من رجل أجنبي - في الوسط العلمائي النجفي ، وقد أثيرت المسألة أمامي في بعض المناسبات وأخرها في الزيارة الأربعينية في بيت أحد الإخوة وكان لي كلام في تلك الجلسة وقد وعدت الأخ الطائي باني سوف أكتب في خصوص هذا الموضوع بعد انتهاء مراسم الزيارة . وجاء موعد الوفاء فهو دين كما يعبرون ،

 

أن تلقيح المرأة سواء كانت محصنة أو غير محصنة مسلمة أم غير مسلمة ، من غير زوجها من المحرمات ، وكذا لا يجوز للرجل أن يقبل بهذه العملية لزوجته مطلقا ، بصرف النظر عن طبيعة عملية التلقيح ، سواء تلقيح مباشر للرحم أم خارج الرحم ،

 

وان تمت العملية المحرمة صناعيا وطبيا فالطفل المتكون منها - ولد حرام - ناتج من - شبهة الزنا - وليس زنا بلحاظ أن ابن الزنا هو من تولد من ممارسة جنسية محرمة، وما نحن فيه ليس هناك عملية جنسية بل غاية ما في الأمر تم التلقيح خارج الرحم ثم جعل الرحم كوعاء لذلك التكوين ، بالتالي المسألة خارجة عن عنوان - الولد للفراش - وقد نص الفقهاء على أن المقصود بالفراش هو خصوص من تولد من امرأة معقود عليها شرعا ، فالولد شرعا لا ينتسب لصاحب النطفة بل منسوب له تكوينا فقط ،

 

ولذا نجد أن التلقيح الصناعي أشبه بمسألة - الولد للفراش - فلا عقد مصحح في البين ، وهو بالنتيجة أن الولد لا ينتسب للزاني شرعا وان انتسب إليه تكوينا ،



وهنا ينبغي تنقيح معنى الزنا ومقدماته لتقريب صورة التحريم ومستندها ،

 

الزنا ، هي العملية المعروفة بين رجل وامرأة ليس بينهما أي عقد شرعي ونحو ذلك مما هو مصحح للممارسة الجنسية ،

 

نعم: أن التلقيح الصناعي الطبي لا يدخل تحت عنوان الزنا عرفا بلحاظ عدم وجود ممارسة تصدق على كونها جنسية حتى يتم عنونتها بعنوان الزنا ، بل غاية ما يمكن تصوره في التلقيح هي عملية مقدماتية للزنا باعتبار تفريغ - مني - الرجل في رحم المرأة الأجنبية ، بطرق طبية معروفة ،

 

والتحريم لا يقتصر على عنوان مفهوم الزنا المعهود والمعروف بل هو شامل حتى لمقدماته ونتائجه - كتفريغ مادة المني - والإنجاب - بالتالي أن مقدمات الحرام حرام والنتائج تتبع أخص مقدماتها ،

 

ولا اعرف كيف لبعض الفقهاء ، اقتصرت فتاواهم على تحربم المقدمات وحصروها - باللمس والنظر - ولو راجعوا مكاسب الشيخ الأنصاري لتوقفوا على نص رواية التحف - أن الله إذا حرم شيئا حرم جميع تقلباته ومقدماته الفاسدة - والتقلبات حصرها بمقدمة دون أخرى خلاف الفقاهة، وكيف كان ما بني على الباطل فهو باطل وما بني على الحرام فهو حرام، بلا كلام ،



إذن: الحرام لا يقتصر على المقدمة فقط ، بل يشمل ذي المقدمة أيضا كما يعبر في الأصول ، وذيها ذي المقدمة دخولا أو تفريغا لمني الرجل بصرف النظر عن كيفية التفريغ ، بالتالي لابد من فهم أن العلة التامة لتحريم الزنا ما لوحظ فيها الدخول أو التفريغ ،

نعم: قد يباح التفريغ لسبب عقلائي أو آخر ولكن الأصل فيه التحريم ،

النتيجة: التولد من حرام لا يدور مدار وجود الزنا بعينه بل يمكن توسعة الحرام بحاظات أخرى كما ما نحن فيه من التلقيح الاصطناعي ، ويمكن التمسك بالعمومات والاطلاقات بل والأدلة الخاصة على ما سوف تعرف في التحريم ،



وقبل الدخول لحريم الأدلة لابد من تصوير محاذير التلقيح الصناعي ، فعلى الفرض يوجد محذوران:

 

أولهما: دخول مني الرجل الاجنبي في رحم المرأة الأجنبية،

وهذا الدخول يحتاج إلى تجويز من كتاب أو سنة وعكس مدعى التجويز ادل كما سوف تعرف،

 

ثانيهما: صحة الانتساب الشرعي من عدمه ، وما يترتب من عويصة التوريث ونحو ذلك مما يتصل بالمسالة على ما سوف تعرف أيضا ، وان نقل ما عن بعض فقهاء الفريقين من عدم انتساب الولد شرعاً الى الزوج اذا دخل ماء الأجنبي في رحم الزوجة بغير الاتصال الجنسي ،

 

المحصلة : ما يمكن أن يستدل به على التحريم أمور:

 

من الكتاب: آية حفظ الفرج ، قال تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكي لهم إن الله خبير بما يصنعون ) سورة النور آية ٣٠/

 

ووجه الاستدلال فيها ، هو ظهور الأمر للرجال بوجوب حفظ الفروج بجميع تقلبات الحفظ وعدم الإفضاء الداعي للممارسة الزنا مع وجوب حفظ المقدمات المفضية للوقوع بالحرام كالنظر بشهوة واللمس ، فإن كل ذلك مؤدي للحرام غالبا ،

 

ومن التقلبات هو إفراغ المادة المنوية بلا وجه شرعي أو عقلائي كالعلاج ،

بعبارة أخرى: أن إفراغ المني خلاف الحفظ بلحاظ التقلبات وخلاف منطوق الآية الآمرة بوجوب الحفظ ، فالستر يعتبر من الحفظ وهو داخل بعنوان وجوب حفظ العورة عن الأجنبي ما عدا الزوجة مثلا ، ومنه تعرف حرمة حفظ المني في البنوك المنوية لغايات ربحية بيعا وهبة ونحو ذلك ،

 

ولا يقال : من أي عرفنا وجوب الحفظ بجميع أنحاء التقلبات..

 

لأننا نقول: أن الآية آية وجوب الحفظ لم تذكر متعلق الحفظ حتى نخصصها بعنوانها فلاحظ ،

 

ولا يقال أن الآية مختصة بالمحصن أو غير المحصن أو المحصنة أو غير المحصنة ،

 

فإنه يقال: أن مقتضى الاطلاق من الوضوح بمكان ويمكن ملاحظة - جمع المحلى باللام - لدخول غير المتزوجات من المؤمنات في المقام ،

 

ولا يقال: الآية تلحظ المسلمين والمسلمات فقط ، دون غيرهم

فإنه يقال: أن التكليف شامل حتى الكفار بدلالة - إذن للناس - على تفصيل ليس محله هنا ،



ولا يقال: أن حفظ الفرج معناه غض النظر كما ذهب إليه صاحب - الميزان ج١٥ - تبعا لفهم الراغب الأصفهاني!

فإنه يقال: أن الآية لا يمكن فرض تخصيصها بقرينة الحفظ الذي هو أعم من غض البصر ،

 

وبالجملة: أن الحفظ ، حفظ فرج الرجل بناء على فهم جميع تقلبات الحفظ عن رحم الأجنبية لا يلحظ فيه إدخال أو إفراغ المني بالطريقة المعهودة للزنا ، بل يشمل عامة أنواع وجوب الحفظ إلى رحم الأجنبية بواسطة أم بغير واسطة بلا فرق يذكر ، فإدخال المني برحم الأجنبية محرم بأي شكل من الأشكال ، ومن فعل ذلك فقد فرط بمفهوم الحفظ شرعا وعرفا ولغة، وكيف كان: يجب الحفظ إلا في ما أحله الله فقط وفقط ، وحذف متعلق الحفظ الدال على عموم وجوب الحفظ من التصرف إلا ما خرج بدليل كالزوجات وملك اليمين بحسب نص الآية ، وما خلا الحصر فهو الحرام وما يقال في المؤمنين يقال في المؤمنات حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل في الجملة....

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات