آخر الأخبار

قراءة في مركبات اللوبيات

 


 

عمر حلمي الغول

 

في خضم الحديث عن الانتخابات الأميركية، طرح احد الأصدقاء سؤالا عن كيفية قراءة تصويت غالبية أتباع الديانة اليهودية الأميركيون (ما يفوق ال70%) لصالح المرشح الديمقراطي، جو بايدن، مع ان القيادة الصهيونية في إسرائيل وقطعان المستعمرين يقفون علنا وسرا مع المرشح الجمهوري، دونالد ترامب؟ أين دور اللوبي الصهيوني في هذه العملية؟ وبماذا يمكن تفسير هذا الخلط والتناقض، إذا جاز تسميته تناقضا، بين التصويت في صناديق الاقتراع، وبين الرغبة بوجود وبقاء صاحب صفقة القرن المشؤومة؟

 

من خلال المراقبة والتدقيق في مشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام 2020، تأكد بالقراءة الواقعية والعلمية، ان مركبات اللوبيات لا تعتمد منطق الحساب البسيط، ولا ترتهن قوة اللوبي بعدد المصوتين من أتباع ديانة أو أثنية واحدة، وإنما تتكئ على المعادلات الجبرية، التي تتناقض كليا مع الطريقة البدائية في فهم مكانة ودور هذا اللوبي او ذاك، لإن قوة النفوذ تقوم على ركائز تحشيد قوى ونخب نوعية، ومن مختلف ألوان الطيف السياسي والديني والإثني في هذا البلد او ذاك، وخاصة في الساحة الأميركية، التي تمثل نموذجا صغيرا للعالم، كون ابواب الهجرة كانت ومازالت مفتوحة لكل شعوب الأرض، رغم سياسة ترامب الغبية بهذا الشأن، التي لم تلغِ صورة الفسيفساء الأثنية والدينية والعقائدية والفكرية المشكلة للمجتمع الأميركي.

 

كما ان اللوبي الصهيوني في أميركا، وإن كانت عضويته تعتمد على اتباع الديانة اليهودية الصهاينة، لكنه يستقطب نخبا بعينها فكرية وسياسية من كل التلاوين الإجتماعية، اضف لذلك يرتكز على قوة ونفوذ العائلات اليهودية ال13 المالكة للمال، اي تعتمد على أباطرة رأس المال المالي أمثال عائلة روتشيلد، وروكفلر وادلسون ومرغان ... إلخ، وعلى التحالف مع المسيحانية الصهيونية (الأفنجليكان الأكثر تطرفا)، بالإضافة لقدرته على إستقطاب وترويض الكثير من أعضاء المجلسين الشيوخ والنواب من خلال المال والإعلام ووسائل اخرى.

 

وكما يعلم القاصي والداني، ان اتباع الديانة اليهودية الأميركيين ليسوا لونا واحدا، فعلى سبيل المثال، هناك لوبي الجي ستريت، وهو متناقض مع الإيباك في السياسات تجاة مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وله رؤية تقترب من قرارات الشرعية الدولية، ويدعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. وهناك جماعة ناطوري كارتا المعادية للصهيونية، والتي تعد بعشرات الآلاف، فضلا عن ان الجيل الجديد من اليهود الأميركيين باتوا نسبيا بعيدين عن القراءة الكلاسيكية لليهود الصهاينة مع دولة اسرائيل، وغالبيتهم تميل لخطاب بيني ساندرز، السيناتور اليهودي الديمقراطي الرافض منطق اليمين الصهيوني عموما في إسرائيل، المتناقض مع خيار السلام. وهناك اتجاه يهودي يتبنى خطاب نعوم تشومسكي، اليهودي اليساري والمعادي للصهيونية والرأسمالية عموما، وليس النيوليبرالية فقط.

 

إذاً التعامل مع اللوبي الصهيوني لا يجوز ان يقوم على القيمة العددية لليهود المصوتين لهذا المرشح او ذاك، انما لما يملكه هذا اللوبي من اوراق القوة بين يديه، فهو يملك ورقتين هامتين، هما المال والإعلام، ولهاتين الورقتين سحر خاص في التأثير على المزاج العام في اوساط الشارع الأميركي. أضف لذلك، ان التصويت للمرشح الديمقراطي،  لا يعني ان اليهود الأميركيين أداروا ظهرهم لإسرائيل، وباتوا خارج حدود مصالح الدولة المارقة، لإن بايدن ونائبته على علاقة حميمة وقوية مع إسرائيل والمشروع الصهيوني، ولكن باساليب أخرى ومختلفة عن اسلوب الرئيس ترامب، لكنهما بالنتيجة النهائية يتفقان على وجود إسرائيل الإستعمارية، وضمان قوتها وتفوقها العسكري والإقتصادي على كل دول الإقليم، وليس العرب فقط.

 

وتاريخيا معروف، ان يهود اميركا يصوتون بالعادة للحزب الديمقراطي، لإنه اقرب لمصالحهم، ويعكس خياراتهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية والصحية. لذا عندما ندقق في عملية التصويت لليهود، وبالعلاقة مع اللوبيين الرئيسيين الإيباك وجي ستريت، ورؤية السيناتور ساندرز الديمقراطي، نجد انها عملية تتجاوز في معاييرها الحساب الكمي، وترتقي لمستوى جبري يدخل فيه الخاص مع العام. كما ان الموضوع يحتاج لتعميق لاحقا عبر قراءة اوسع واشمل.

إرسال تعليق

0 تعليقات