هانى عزت بسيونى
يراهن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مفاوضاته لابرام
اتفاق شراكة جديد مع الاتحاد الاوروبي على علاقته الشخصية بالرئيس الامريكي الحالي
دونالد ترامب كحليف استراتيجي ، فيما ينظر الاخير اليه بنفس النظرة المشتركة فيما
يتعلق بالانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة ولو بدرجة أقل ، فماذا لو فاز جو
بايدن الديموقراطي بالانتخابات ؟….
فيما يتعلق بموقف رئيس وزراء بريطانيا وبالنظر لأرقام التصدير
البريطانية مع شركائها التجاريين لتقيم رؤيته من الجانب التجاري والاقتصادي وبدون
الدخول الى تفاصيل موضوعات التفاوض بين لندن وواشنطن ، سنجد أن إجمالي الصادرات
البريطانية للاتحاد الأوروبي قد سجلت خلال الاعوام الثلاثة الماضية في المتوسط ما
قيمته ٣٠٠ مليار جنيه إسترليني أي ما يمثل ٤٣٪ من إجمالي صادرات المملكة
المتحدة للعالم اجمع ، في حين بلغت قيمة واردات المملكة المتحدة من الاتحاد
الأوروبي خلال ذات الفترة نحو ٣٧٢ مليار جنيه إسترليني تمثل نحو ٥١٪ من جميع واردات المملكة
المتحدة من العالم بحسب إحصاءات الموقع الرسمي لمجلس العموم البريطاني ، مقارنة
بإجمالي قيمة الصادرات البريطانية للولايات المتحدة بذات الفترة التي سجلت ما
قيمته ١٦١٫٥ مليار دولار امريكي ، أي بزيادة نسبتها ٥٧٪ عن اجمالي قيمة صادراتها
للولايات المتحدة …
الأمر إذن يثير الدهشة حيال الاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس
الوزراء البريطاني بوريس جونسون لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن وفق هذه
الارقام ويضعه في موقف المغامر والمضحي بمصالح لندن التجارية في اسواق تكتل بروكسل
مقابل خروج لن يحقق اي بديل ذو ذات الفائدة المتوقعة على المستوى التجاري في حال
تعثر تنبؤاته ورهانه على ترامب في وقت تتعثر فيه كذلك وبالمقابل مباحثات بريطانيا
مع الشريك الأوروبي الأكبر والأهم ! .
ومما يزيد الامر استغراباً أن رئيس الوزراء جونسون يريد ان يجري
تعديل قانوني على اتفاقية البريكست المبرمة بين لندن وبين الاتحاد الأوروربي فيما
يتعلق بأيرلندا الشمالية وبترسيم الحدود مع جمهورية ايرلندا والتي على اثرها خرجت
المملكة المتحدة من التكتل الاوروبي في نهاية يناير الماضي ، ثم تحذيره الاخير في
نهاية الجولة الثامنة من مفاوضات لندن وبروكسل حول ابرام اتفاق للشراكة الاتحاد
الاوروبي نهاية الأسبوع الماضي من أن لندن سوف تنسحب من المباحثات ما لم يتم
التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف أكتوبر القادم ، بينما اتخذت المفوضية الأوروبية
موقفاً متشدداً تجاه التهديد البريطاني على لسان رئيستها Ursula von der Leyen والتي دعت الحكومة
البريطانية إلى ضرورة الالتزام باتفاق الانسحاب من الاتحاد الاوروبي وهدد الاتحاد
الأوروبي بريطانيا باتخاذ تدابير قضائية في حقها ما لم تسحب التعديلات التي
أدخلتها أحاديا بحلول نهاية سبتمبر الجاري ، كما هدد قادة في البرلمان الأوروبي
بنسف أي معاهدة تجارية إن أخلت لندن بوعودها ، لتكون النتيجة ان الموقف التفاوضي
بين لندن وبروكسل اصبح في طريق مسدود !!….
أما فيما يتعلق بالمفاوضات الثنائية بين بريطانيا والولايات
المتحدة الامريكية فقد صرح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مؤخراً بأن حكومته
تستهدف تاريخ الثالث من نوفمبر القادم للتوصل لتوقيع اتفاقية التجارة وهو الشهر
الذي يشهد أيضاً انطلاق الانتخابات الأميركية التي يطمح خلالها ترامب للفوز بولاية
رئاسية ثانية ، ويعول الاخير في سياسته الخارجية على شركائه في العالم ومنهم رئيس
الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أجل عقد اتفاقيات تنشط الشركات الأميركية
واقتصاد واشنطن والذي تأثر سلبياً بوباء كورونا كما غيرها من الدول حيث يرى ان ذلك
قد يعزز من حظوظه للفوز على الرغم من اننا نعلم جميعاً أن أولويات الناخب الأميركي
تنحصر في معظمها بمطالب داخلية ولا تكون الإنجازات الخارجية محط اهتمام كبير
بالنسبة إليهم .
فهل يجوز ان يغامر جونسون بالتنبؤ إن كان ترامب سيفوز بولاية
رئاسية ثانية وهو الحليف المقرب لبريطانيا والصديق لجونسون حيث تخلى الاخير عن
هواوي ومشاركتها في بناء الجيل الخامس في بريطانيا لإرضاء ترامب في حربه التجارية
ضد الصين .!؟.
وماذا لو فاز جو بايدن بالانتخابات الأميركية المقبلة وهو من قال
في ٢٠١٦ إن المملكة المتحدة ستكون “بمؤخرة قائمة الانتظار” لصفقة تجارية مع
الولايات المتحدة ؟!.
وبالعودة الى قصة المفاوضات التجارية بين المملكة المتحدة
والولايات المتحدة والتي بدأت رسمياً في الخامس من مايو الماضي ٢٠٢٠ حين حدد
الطرفان أهدافهما التفاوضية ، والتي لطالما ثار الجدل حولها لابرام اتفاقية التجارة
الحرة باعتبار هذا الاتفاق واحد من الفوائد الرئيسة لانسحاب المملكة المتحدة من
الاتحاد الأوروبي ، على الرغم من وجود أرضية مشتركة مهمة بين مواقف البلدين لكن
يبقى هناك احتمال حدوث توتر كبير لا سيما حول قضايا مثل المعايير الزراعية وتصدير
الأدوية ومنظومة الرعاية الصحية NHS ، بالإضافة إلى ان المملكة المتحدة ستحتاج إلى الموازنة بين مطالب
الولايات المتحدة الامريكية لتقليل الحواجز التنظيمية والحاجة إلى الحفاظ على درجة
من التوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي من أجل تأمين الوصول المستمر إلى أسواق
الاتحاد الأوروبي .
لِذا فقد يكون للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تأثير كبير
في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين لندن وواشنطن ، فبينما أظهرت إدارة الجمهوري
دونالد ترامب حرصها على التفاوض بشأن اتفاقية تجارة حرة بين البلدين فقد يكون
لإدارة المرشح الديمقراطي جو بايدن أولويات أخرى ومن المحتمل أن يرى
"بايدن" الحاجة إلى رعاية العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد
الأوروبي كخطوة هامة ولها الاولوية نحو علاقات مع واشنطن قبل لندن وقد يقرر عدم
إعطاء الأولوية للتفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة ويقرر
إحياء المفاوضات أولاً مع الاتحاد الأوروبي بشأن شراكة التجارة والاستثمار عبر
الأطلسي لما سوف تحققه من مكاسب اعظم من تلك مع لندن منفردة بعد البريكسيت فقد قال
جو بايدن إنه لن يسمح بأن يصبح السلام في أيرلندا الشمالية "ضحية خروج
بريطانيا من الاتحاد الأوروبي " إذا انتخب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر
وإن أي صفقة تجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة يجب أن تكون
"مشروطة" باحترام اتفاقية السلام في أيرلندا الشمالية المعروفة باسم
الجمعة العظيمة …!.
كما قد يؤثر تكوين مجلس النواب ومجلس الشيوخ بعد انتخابات ٢٠٢٠
أيضاً على المفاوضات بين واشنطن ولندن من خلال دورها في الموافقة على اتفاقية
التجارة الحرة الناتجة أو رفضها …
فلماذا إذن يغامر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وهل ستتحمل
بريطانيا الانفصال عن التكتل الاوروبي دون ابرام اتفاق شراكة جديد ….!؟ .
0 تعليقات