آخر الأخبار

تحويل الجامعات الوطنية إلى قاعات فكر ودراسات

 


 

 

أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن

أستاذ الدراسات الإيرانية

 

 

 

إذا كان بيتك مبنيا من الطين، ويسكنه عميان صم بكم، فلا ينبغي أن تصلحه من خلال تركيب نوافذ بلورية مستوردة من الخارج، إن أية شقوق أو انبعاجات أو انحرافات فيه ترجع إلى مشكلة في أساسات البيت، والمواد التي صنع منها، وكيفية استخدام سكانه له!

 

 

قضية المناخ العام الذي يسيطر على الجامعات الوطنية المصرية وربما العربية، هي قضية العجز الذي يكتنف أساسها، والذي لم يعد قادرا على حملها، وأول هذه الأساسات هو اللائحة التي تحكم هذه الجامعات، فرائحتها العفنة تزكم أنوف الناس داخل وخارج الجامعات، وأعضاء هيئة التدريس غير الأكفاء، سواء بسبب عدم وجود رغبة في التعلم، أو عدم وجود استعداد طبيعي لسلوك دروب العلم، أو الإحباط نتيجة المناخ العام في المجتمع، أو قيادات الجامعات التي لا تتناسب مع تحمل المسئولية، أو الظاهرة الأسوأ وهي هؤلاء العاجزين المحسوبين على الجامعات خوفا على صورتهم التي يرسمونها بوسائل غير مشروعة، والبعيدة عن العلم والدراسة وروح الجامعات، الذين يقومون بالترويج لما يزيد من انحدار الجامعات، ليس علميا وحسب، بل أخلاقيا أيضا، سواء بتلقين الطلاب ما لا يليق، وما لا يمت بصلة للعلم أو التخصص، أو بتعطيل زملائهم عن العمل الضروري، أو تشويه سمعتهم، أو تسييس فكرهم لإظهارهم كمعارضين للحكومة والنظام.

 

الحق أن الجامعات الوطنية لم تعد وطنية، وتحتاج إلى توجه صحيح، من خلال الدين الصحيح والقومية الحقيقية، تحتاج إلى لائحة توضع على هذا الأساس، وتحتاج نقل من لا يستحقون البقاء في الجامعات إلي ما يناسبهم من عمل خارجها، بل من الضروري حذفهم، كما ينبغي حذف أقسام التخصص التي لا تطور نفسها لمواكبة مسيرة خدمة الوطن في هذا التخصص، أو التي لا تهتم بالدراسات المعاصرة والمستقبليات، لأنها تتغذي دون حق من عرق ودماء المواطنين الكادحين، وميزانية الدولة المزرية في الظروف الصعبة، ومصروفات الطلاب الباهظة المتنوعة التي لا تصرف على العلم والتعليم.

 

إن كانت الدولة تريد للجامعات الوطنية أن تعود إلى خدمة الوطن، لا أن تكون وبالا عليه، فعليها أن تجعل منها قاعات للفكر ومراكز للدراسات، فهو السبيل الوحيد للارتقاء بها، وإدخالها إلى دائرة العمل الوطني، فمن خلال هذه القاعات تنطلق الأفكار الحرة، حتى لو كانت باهتة أو سطحية، فستكون خطوة أولى نحو البحث عن مناهج راقية، وعلوم نافعة، ونوافذ مفتوحة على الإنتاج والخدمات العامة في الدولة، وسوف يتحسن مستواها جلسة بعد جلسة، فلا يشغلنها الروتين، ولا الأوامر الهدامة، ولا الخطط النفعية، فهي تفكر من خلال التقوى، فتقول قولا سديدا، فيصلح الله لها أعمالها، ومن خلال القومية فيدفعها حب الوطن إلى الإخلاص له في علومه ونهضته وشبابه.

 

أما عن التعليم فما نراه في الجامعات الوطنية منه إلا تجهيل وخسارة مادية ومعنوية للوطن والمواطنين، وضياع لمستقبل أجيال، فرغم أن ما نراه من معظم الطلاب من استعداد ورغبة في التعلم، بعد سنوات شاقة غير مفيدة في التعليم الأساسي، لا يجدون ما يشعرهم بأية نقلة علمية، أو أية فائدة حضارية، بل إحباط، وممارسات غير أخلاقية، فضلا عن أنها غير علمية. من ثم فلا ينبغي أن يستمر التعليم في الجامعات على هذا الأساس الطيني، حتى يصبح أساسا يُعتمد عليه.

 

إن استيراد مناهج أو علوم من الخارج هو بمثابة طلاء على الطين يزيده تشويها، ولو كان تحت شعار الجودة، أو التحسين أو التقدم. إن المسارعة في تطبيق علوم الآخرين، واستخدام آلياتهم الحديثة دون دراسة وفحص وتقييم، بانبهار أو عدم قدرة على التمييز بين ما يصلح عندنا وما لا يصلح، هو معول جديد يضرب قلب التعليم وعقله، ويزيد من الاضطراب والتشويش والعجز، ويكلف الكثير بلا طائل حقيقي. إذا كنا نريد أن نستخدم علم الآخرين وأساليبهم من أجل أن يضعونا في قوائم تقييمهم، فهم يضحكون بذلك علينا من قلوبهم، ويفرحون بزيادة عجزنا وجهلنا، في حين أنه لا فائدة ترجى من أن يصفقوا لنا على حمقنا!

 

إن أفضل ما يمكن أن نفعله هو دراسة ما يصدره لنا الآخرون، أو نستورده منهم، من خلال هاتين الركيزتين: الدين الصحيح والقومية الحقيقية، وبمقياسهما وليس بمقياس الغرب أو الشرق، وهو ما يمكن أن يدخل في إطار قاعات الفكر ومراكز الدراسات، بعد تحديد هدفها العلمي الصحيح، وكيفية تحقيقه ومداه المرحلي، وعدد ساعات عملها، والعناصر الضروري وجودها في هذه القاعات من الخبراء المخلصين من العسكريين والمدنيين، وتقسيم القاعات إلى التخصصات الضرورية بترتيب الؤلويات، حسب الحالة ومدى خطرها.

 

أما الطلاب فهم المعيدون والمدرسون المساعدون والمتفوقون في البكالوريوس والليسانس والثانوية العامة، ولا وجود في هذه القاعات والمراكز للموظفين الإداريين، بل للفنيين والخدم الضروريين.

 

لا فهلوة ولا إبداع سطحي في هذه المرحلة، بل تدريب القلب والعقل على النضج الفكري والنضج العملي والتطبيقي، والتقوى في العلم والعمل، والنظرة المستقبلية البصيرة.

 

ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات