مؤمن سلاّم
يدافع أدعياء الفضيلة وحماة الإيمان عن محاكم التفتيش المصرية التي
تؤسس لها مجموعة من القوانين المسلطة على رقاب المفكرين والمبدعين لترسل بهم
للسجون أو لتفرق بينهم وبين زوجاتهم أو لتغرى جاهل متطرف لقتل من يرى القانون كفره
وردته، يدافع هؤلاء عن هذه القوانين والمحاكم الدينية الأخلاقية بحجة أنها تحمي
الدين والقيم والأخلاق. وهو ادعاء لم يقم عليه اى دليل، بل على العكس أي مراجعة
للتاريخ المصري الحديث سيشير إلى عكس ذلك.
فقد كانت مصر خلال قرن من الزمان منذ منتصف القرن 19 وحتى منتصف
القرن 20، ملجأ لكل مفكري وفناني وسياسي وصحافيي المنطقة الهاربين من استبداد
الدولة العثمانية بالإضافة إلى المفكرين والمبدعين والسياسيين المصريين، فشهدت مصر
نهضة فكرية وفنية وسياسية لأول مرة منذ آلاف السنين، فكان هناك جمال الدين
الأفغاني داعية الجامعة الإسلامية وكان هناك إسماعيل أدهم صاحب مقال “لماذا أنا
ملحد؟” ويرد عليه أحمد زكي أبو شادي بـ “لماذا أنا مؤمن؟”.
يحضر لزيارتها عبد البهاء عباس أفندي ليُعرف بالدين البهائي قبل أن
يكمل رحلته لأوروبا وأمريكا، وكذلك، ساطع الحصري ليدعو للقومية العربية، كان يوسف
قطاوي اليهودي يشارك في كتابة دستور 1923، وبطرس غالي يرأس الوزارة المصرية.
كانت الإرساليات الكاثوليكية تبنى مدارسها في طول مصر وعرضها،
والبهائيين يبنون معابدهم والماسونيين محافلهم، جنبا إلى جنب مع المساجد والكنائس
الأرثوذكسية.
كان لطفي السيد أبو الليبرالية بجوار سلامة موسى زعيم الاشتراكية.
وكان فرح أنطون كبير العلمانيين يناظر الإمام محمد عبده حول فصل الدين عن الدولة
على صفحات مجلة الجامعة ومجلة المنار.
ببساطة كانت مصر حاضنة لكل الأفكار والآراء تتفاعل وتتحاور
وتتعارك، دون أن يشهر احد سلاحا في وجه المخالفين، ودون أن تسجن الدولة باحثا أو
مبدعا، أو تحكم محكمة بردة مفكر وتفريقه عن زوجته، أو يخرج جاهل ليقتل أديب أو
كاتب.
وبالرغم من هذا العصف الفكري والديني والإبداعي، لم نرى المصريين
يخرجون من الإسلام أفواجا، ولم نرى هذا الكم من حوادث الفتنة الطائفية، ولم نرى
هذا الكم من الإرهاب، ولم نرى هذا الكم من جرائم البلطجة والتحرش والاغتصاب.
بل على العكس لقد ظهرت هذه الحوادث وبدأ المصريين في الخروج من
الدين أفواجا في ظل المادة الثانية من الدستور وقوانين الحسبة وعقوبة ازدراء
الأديان. وزادت الفتنة الطائفية وجرائم القتل على الهوية ضد المسيحيين والبهائيين
والشيعة واللادينيين حتى أصبحنا نخاف على وحدة مصر في ظل هذه القوانين. وفي ظل
محاولة فرض الرأي والفكر والمذهب الواحد على الأمة المصرية دون احترام لحرية
العقيدة والرأى والتعبير والإبداع، أصبحت مصر في أقصى درجات التشرذم وتعاني من
استقطاب شديد قد يفجر الموقف في اى لحظة.
لا تقلقوا على الدين فإن له رب يحميه ولا ينتظر حماية أصحاب
المصالح المادية والسياسية والساعيين للسلطة والسيطرة، الغوا هذه القوانين
المخالفة للدستور المصري الجديد ولمواثيق حقوق الإنسان، فالحرية والديمقراطية
والمواطنة هي طريقنا للسلام الاجتماعي وأكبر ضمانة لوحدة للأمة المصرية.
0 تعليقات