عز الدين الغدادي
قبل ايام نشر السيد "ميثاق العسر" منشورا تعرض فيه لقضية
زواج النبي (ص) من السيد عائشة رغم فارق السن بينهما بهدف واضح وهو صرح به، وعندما
انتقدته طرح بعض الاخوة رؤية تقول بان الرجل لم يأت بشيء من عنده، بل ذكر ما هو
موجود فعلا في الكتب، وسأحاول هنا تقديم رؤيتي للموضوع حتى تبين الفرق بين
المنهجين.
من المشهور عن أهل الحديث والفقهاء ان النبي (ص) تزوج السيد عائشة
ام المؤمنين ودخل بها ولها من العمر تسع سنوات، وقد روي عنها أنها قالت: تزوجني
رسول الله (ص) لست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين.
ومن زمن بعيد شنع المستشرقون وغيرهم على هذا ورأوا أن زواج رجل في
الخمسين من طفلة في التاسعة من عمرها أمر لا يمكن قبوله بحال. وقد اسبوع تقريبا
كتب احدهم نقدا على هذا الموضوع وفيه تهجم واحد على شخص النبي (ص) وأنا أناقش هنا
هذا الموضوع فأقول:
هناك من رفض خبر زواج النبيّ (ص) من عائشة في السادسة ورأى أنّها
كانت أكبر سنّا مما قيل من أن النبي (ص) توجها وهي بنت 9 سنوات. ومن ذهب إلى هذا
الرأي استدلّ بأمور منها:
أولا: إنّ الطبري ذكر أنّ عائشة ولدت في الجاهليّة، قال:
"تزوج أبو بكر في الجاهلية قُتيلة ..... فولدت له عبدالله وأسماء. وتزوج أيضا
في الجاهلية أم رومان بنت عامر .... فولدت له عبد الرحمن وعائشة فكل هؤلاء الأربعة
من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سمّيناهما في الجاهلية" وهذا يتنافى مع ما
ذكر في تاريخ زواجها إذ مع النظر لما روي عن سنّها عند زواجها فسيكون مولدها سنة 3
بعد البعثة.
ثانيا: كذلك احتجّ بما روي من أنّ خولة بنت حكيم جاءت إلى النبيّ
(ص) بعد وفاة خديجة، فقالت: يا رسول الله، ألا تزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بِكرا
وإن شئت ثيِّبا. قال: فمن البِكر؟ قالت: ابنةُ أحبِّ خلق الله عز وجل إليك عائشة
بنت أبي بكر. قال: ومن الثيِّب؟ قالت: سودة ابنة زمعة.
فإذا صحّ الحديث ولو وفق ما عليه الجمهور؛ هل تعتقد بأنّ من الممكن
لمن كان في وضع النبيّ (ص) وقد اشتدّ عليه أذى ذؤبان العرب وسفهائها وقد فقد خديجة
التي كانت مع أبي طالب أهمَّ ناصرين له ومع ما كان يشعر به من فراغ أن يتزوّج
بنتاً في السادسة ثم يبني بها بعد ثلاث سنين وهي لا زالتْ تلعب بالدمى كما ذُكر؟!
ثمّ ما معنى أن تقول خولة: إن شئتَ بِكراً، ثمّ تذكر طفلة في
السادسة من عمرها.
ثالثا: روى أنس في خبر أُحد: .... ولقد رأيتُ عائشةَ بنت أبي بكر
وأمَّ سليم وإنهما لمشمِّرتان، أرى خدم سوقهما تنقزان القِرب على متونهما تفرغانه
في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
ويستبعد أن تكون في سن السابعة في المعركة وهي تقوم بذلك وهي تضع
الخدَم في ساقيها.
رابعا: إنّ أسماء بنت أبي بكر كانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنين،
قال ابن كثير: هي أكبر من أختها عائشة بعشر سنين........ وبلغت من العمر مائة سنة
ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل رحمها الله. وماتت أسماء بنت أبي بكر الصديق بعد
قتل ابنها عبد الله بن الزبير بليال وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من
جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين.
فيكون عمر أسماء عند الهجرة 27 سنة، وبما أنّ أم المؤمنين تصغرها
بعشر سنين فإنّ سنّها سيكون عند الهجرة 17 عاماً.
أما إذا قارنت عمرها بعمر فاطمة فسيكون هنا إشكال آخر، قال ابن حجر
في سن فاطمة: واختلف في سنة مولدها فروى الواقدي عن طريق أبي جعفر الباقر قال: قال
العباس: ولدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي (ص) ابن خمس وثلاثين سنة. وبهذا جزم
المدائني، ونقل أبو عمر عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي: أنها
ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي (ص)، وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة
أو أكثر وهي أسنّ من عائشة بنحو خمس سنين.
و إذا كانت صحّ ذلك فإن عائشة تكون قد ولدت عندما كان النبيّ (ص)
في الأربعين من عمره، و إذا ثبت أن النبي تزوجها وهو في سن 52 فإن عمر عائشة وقت
زواجها هو 12 سنة.
خامسا: ويتعقّد ذلك التصوّر أكثر مع النظر فيما ذكر من أنّ عائشة
كانت مخطوبة قبل أن يخطبها النبيّ (ص)!!! فقد ذكر في خبر خطبتها أنّ خولة بنت حكيم
جاءت إلى أمّ رومان وهي أم عائشة فذكرتها (اي خطبتها للنبي ص)، وجاء في الخبر أن
أمها قالت: أنّ المطعم بن عدي كان ذكرها على ابنه، أي خطبها لابنه.
فكيف يفهم هذا الأمر؟ وفي أي سياق؟
هذا وللحديث بقية باذن الله.
0 تعليقات