آخر الأخبار

تصريحات ترامب وسد النهضة الأثيوبي العظيم

 




د. عبد الفتاح مطاوع



أولاً أطيب تحياتي و تمنياتي للجميع بالصحة و العافية، و أن تتحقق أمانينا الطيبة بمناسبة المولد النبوي الشريف .

 

 ثانياً مثلما هو مصير النظريات الفاشلة القائلة بأن الكرة الارضية محمولة على قرني ثور، أو أنها ثابتة في مكانها لا تتحرك، انتهت أسطورة أو نظرية سد النهضة الإثيوبي العظيم .. لماذا؟.

 

 

صيغة واشنطن دي سي حول سد النهضة

 

 يأتي تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال شهر أكتوبر الجاري ٢٠٢٠، ليؤكد أن صيغة الاتفاق التي تم إعدادها بعد مفاوضات دامت قرابة الأربعة شهور، بواسطة خبراء وزارة الخزانة الأمريكية و البنك الدولي، و بمشاركة وفود التفاوض من الدول الثلاثة مصر و السودان و إثيوبيا، و التي لم توقع عليها إثيوبيا في فبراير الماضي ٢٠٢٠ ، كانت هي الصيغة المناسبة التي تحقق الفائدة لمصلحة الدول الثلاثة، و بأقل الأضرار للأطراف الثلاثة في عدة جوانب، منها التشغيل و الإدارة للسد أثناء عملية الملء، أو التشغيل في المستقبل في ظل التغيرات الحادة فى التصرف الشهرى و السنوى لنهر النيل الأزرق، و أثر ذلك على السدود السودانية و السد العالى بمصر، بالإضافة إلى أمان و سلامة جميع تلك السدود، و في إطار اتفاق قانوني ملزم للأطراف، و آلية لفض المنازعات حال نشوبها بالمستقبل، وأن يكون كل ما سبق برعاية و ضمان دولى للاتفاق بين الدول الثلاثة. وعندما نقول خبراء و وفود التفاوض من دول و مؤسسات دولية، فنحن نتحدث هنا عن تخصصات عديدة منها الفني و القانوني و الدبلوماسي و الأمني و النفسي، و غيرها من التخصصات الأخرى العديدة التى نعلمها أو لا أعلمها أنا شخصياً.

 

 

البراجماتية الأمريكية

 

الواقعية و العملية و البراجماتية من المزايا الهامة لطريقة التفكير الأمريكية، مقارنة بطرق تفكير أخرى، مثل التفكير بالعواطف و المشاعر و القبلية و العرقية و العقائدية و الأحكام المسبقة، ومثل نظريات المؤامرة و التآمر و العدوانية، و غيرها من طرق التفكير الأخرى ذات الأجندات المعلنة وغير المعلنة، الموجودة و المنتشرة و الشائعة في كل بقاع المعمورة.

 

ردود الأفعال على التصريحات

 

حال رغبتنا الحقيقية في فهم و ترجمة تصريح الرئيس الأمريكي عن مفاوضات سد النهضة، و ما صاحبها من أفعال سابقة، مثل قطع و استمرار قطع بعض المعونات الأمريكية لإثيوبيا، عقابًا لها على عدم توقيعها على اتفاق واشنطن، و تصريحات أخرى مثل نسف سد النهضة، و كذا وجود الرغبة في فهم و ترجمة التصريحات الإثيوبية تعليقًا على ذلك، و كذا هذا السيل الجارف من التعليقات الصحفية و الإعلامية عن الدوافع وراء تلك التصريحات، فإن وجهة نظري المتواضعة هي أن ندقق في طريقة تفكير كل من الرامي للسهام و المتلقي لها، و بعد ذلك يمكن لنا الحكم بحيادية.

 

 فلو حكمنا على طريقة تفكير الرئيس الأمريكي من منظور تفكير معظم دول الشرق الأدنى على تلك التصريحات، لما كانت كما هي، و إلا فنحن نتحدث عن تصريحات لرئيس الولايات المتحدة العربية. الجديد في موضوعنا أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاءت غير متوقعة، و لم يكن يتخيلها أحد لا في الزمان و لا في المكان، في نفس الوقت الذي كانت التعليقات عليها كثيرة جداً و متنوعة، و غلب عليها الخيال، و الربط بينها وأحداث مضت مثل غزو العراق للكويت، و أحداث قادمة غير محسومة مثل نتائج الاستفتاء على انتخاب رئيس أمريكي قادم .

 

أثر التصريح على المسار التفاوضي

 

 و على الرغم من كل ذلك كانت أثار هذه التصريحات سريعة على المسار التفاوضي، حيث عشيتها صرح مسئول الأمن بالاتحاد الأوروبي على ضرورة عودة المتفاوضين لمائدة المفاوضات لحسم النقاط الخلافية، كما دعا رئيس الاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، رئيس جنوب أفريقيا، لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية من الدول الثلاثة، بعد توقف دام لمدة قاربت الشهرين منذ أغسطس الماضى ٢٠٢٠، و تصريح وزير الري و الموارد المائية السوداني بأن العودة للتفاوض ستكون بقواعد مختلفة عما سبق، و كان يقصد إضافة دور للمراقبين من الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي و الاتحاد الأفريقي في عملية التفاوض، و اختفاء تصريحات الصقور الإثيوبيين من وسائل الإعلام، من ذكر اسم الرئيس الأمريكي أو إسم أمريكا، و تم الاكتفاء باستدعاء وزارة الخارجية الأثيوبية للسفير الأمريكي بأديس أبابا، لشرب البنة الأثيوبي و عليه عيدان عشب التينيدام الأثيوبي، و لم نسمع حتى الآن عن أية نتائج لعمليات الاستدعاء الحالية أو السابقة عند قطع بعض المعونات الأمريكية لإثيوبيا. لقد بات الموقف الأثيوبي ضعيفاً جداً أمام نفسه و أمام المجتمع الدولي، و أمام وفود التفاوض، و لم و لن يشفع له أحد على تضييعه الوقت والفرص العديدة التي أعطيت له، و آخرها فرصة صفقة واشنطن، التي ربطها الرئيس الأمريكي بمعونات لن يأخذونها ما لم يلتزموا باتفاق واشنطن، و هذه إحدى جوانب البراجماتية الأمريكية في التفكير.

 

البراجماتية المصرية

 

 أما إذا حاولنا التفكير في الواقعية و العملية و البراجماتية المصرية، في التعامل مع قضية سد النهضة الأثيوبي، سنجد أن خيارات القاهرة عديدة، ما لم تكن غير محدودة لا في الزمان و لا في المكان، و بكل تأكيد كان و لايزال أولها التفاوض من مبدأ خيرهما الذي يبدأ بالسلام، و ثانيها صبر أيوب المصري على البلاء، و عاشرها ما سبق و أن اقترحته فى ٢٨ فبراير ٢٠١١ ، و ما تم تكراره في أغسطس ٢٠١٣ ، و يونيو ٢٠١٤ ، و في مؤلفي كتاب ” بوليتيكا سد النهضة ” في مارس ٢٠١٧ ، و في محاضراتي، و التي كان آخرها في المعهد الديبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية، في ٢٧ من شهر أغسطس الماضي ٢٠٢٠ . و على الرغم من محاولات قرابة العشر سنوات على ما اقترحته و لم يتم استكمال إنشاء سد النهضة، فلا زال فيضان نهر النيل العالي جداً عام ٢٠٢٠، و كل الدعاية الأثيوبية في وسائل الإعلام عن تخزين قرابة الخمسة مليارات من الأمتار المكعبة، و البرنامج الزمني الأثيوبي الطموح للانتهاء خلال أربعة سنوات من أعمال إنشاء السد، لتوليد كم من الطاقة الكهرومائية يعادل كم الفاقد من الطاقة الكهربية بشبكة الكهرباء بمصر.

 

 

السيناريو الأسود و الثور الأبيض

 

 الخوف كل الخوف أن يستجمع السيناريو الأسود قواه، و التي زادت واحدة و أكثر، و يجهز على أثيوبيا، و آه يا خوفي عليها حال رجوع الملف مرة أخرى إلى مجلس الأمن أو للجمعية العامة للأمم المتحدة، أو وقوعه في يد من لا يرحم …… وهم كثر .

 

 حال وقوع ثور النهضة الأثيوبي سوف تكثر سكاكينه، و لذا قبل وقوعه يجب عليه تعلم حكمة الصبر المصري، وحكمة المواطن المصري البسيط الذي يقول: للصبر حدود، أو تعلم الحكمة من ثيران كليلة ودمنة الثلاثة، حتى لا يجد نفسه وحيداً أمام كل دول العالم، أو قبل أن يقول كما قال الثور الأسود بعد أن أصبح وحيداً فقال بعد أن فات الأوان: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض “

 

إرسال تعليق

0 تعليقات