أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
توقفت عند قوله تعالى: ولوفتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه
يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون، ولقد جعلنا في السماء بروجا
وزيناها للناظرين، وحفظناها من كل شيطان رجيم، إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب
مبين.(الحجر١٤/١٨)
تمنيت لو أني كنت رساما فأرسم هذه الصورة، ويا ليت لدينا رسام قرأ
هذه الآيات فدمعت عينه وأمسك فرشاته ورسم هذه الصورة، فعندما ترسم هذه الصورة
نهديها إلى وكالة ناسا للفضاء الأمريكية وغيرها من وكالات الفضاء العالمية، بل
للمهتمين بالفضاء المجازي، وظني أن هذه الصورة تحتاج إلى شرح، فما تفعله الدول
الكبرى التي تملك وكالات للفضاء عبث وإضاعة أموال اقترفوها أو اغتصبوها من شعوب
ضعيفة، وينفقونها فتكون عليهم حسرات، لخزي نتائجها.
لو فهموا معنى هذه الآيات لتغير برنامج غزو الفضاء في توجهه ورؤيته
ونهجه وأسلوبه، فالقضية هنا ليست قضية دينية، ولكنها قواعد علمية للتفكير والعمل،
فأبواب السماء لا تفتح لأحد، إلا من اختار الله من نبي أو ولي، وإن أذن الله أن
يفتح منها بابا لأحد ليس مؤهلا تأهيلا إلهيا لسحره ما يرى من أمر السماء، حتى لو
كانت السماء الأولى فقط، ففيها بروج مزينة بما لا يخطر على بال أحد، ولم يصل إليها
علم أحد، ولا يستطيع أحد أن يفهم كنهها وما تحتويه من إعجاز، وحسبه فقط أن ينظر
إليها متعجا إزاء قدرة الله، أما إن تحرك نحوها سيجد أنها محفوظة حتى من كل شيطان
رجيم، وقدرة الشيطان أن لا يخترق، بل يسترق السمع فقط، ولكنه يعاقب إن فعل بشهاب
واضح، وما أقواه من شهاب.
إذا كان الله قد اختار للإنسان أن يكون خليفته في أرضه، فليس عليه
أن يطمح في الصعود إلى سمائه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار
السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. فإن كان المفسرون فسروا السلطان
بأنه سلطان العلم، فمن أين يأتي العلم إلا من العليم الحكيم، ومادا قد عرض التحدي
فلن يجد من يحاول التجاوز علما صالحا ينفعه في مهمته.
يكفي الإنسان أن يستفيد من الفضاء الجوي المحيط بالأرض والتابع
لها، ومن ثم فإنه إذا استطاع أن يرسل إليه أقمارا صناعية، فعليه أن يستفيد بها في
خدمة الأرص وإصلاحها، ومساعدة من يسكنها، فهذا واجبه كخليفة لله في أرضه.
إن الواجب الأساسي للإنسان الذي ينظر إلي السيطرة على الفضاء هو أن
يفيد به البشرية، لا أن يستغلها، فإذا خالف منهج الله الذي مكنه من هذا الفضاء،
فإن على الناس أن تتخذ موقفا، ولعل الموقف المناسب الذي يتفق مع قدراتهم العلمية
هو تنقية الفضاء، بعد أن قام من تجرأوا عليه بتسميمه، وملئه بالشرور.
الفضاء المجازي سلاح ذو حدين، منه فائدة علمية ومادية وروحية، ومنه
أيضا ضرر للناس وتسلط عليهم، ومراقبة وتجسس، ورصد عوراتهم، واستغلال ذلك في
السيطرة عليهم وسرقة خيراتهم، وتحويلهم إلى عبيد لهم.
كيف يمكن تنقية الفضاء المجازي؟
من الضروري أن تشكل قيادة مركزية لأمن الفضاء المجازي، وهي لا تختص
بموضاعات تتعلق بالتقنية الفضائية وتداعياتها فحسب، بل كل ما يتعلق بالحياة
الوطنية والأمن القومي إزاء ما يمكن توقعه من ضغط عنيف في هذا المجال، فالتعامل مع
الفضاء المجازي ينبغي أن يكون بحجم التعامل مع قضية الحفاظ على الأمن القومي ووحدة
وسيادة البلاد.
إن آلاف حملات الهجوم المتنوعة في الفضاء المجازي مدعمة بأحدث
التقنيات العلمية والفنية والفكرية تصب كل يوم في عقول وأذهان مواطنينا بمختلف
درجاتهم العلمية والثقافية والوعي والإدراك، لكن الأخطر من ذلك ما ينشر عن تقنيات
هذا المجال، وكثير منه مضلل، ويستغل في أغراض عدوانية لصالح مروجيها.
المشكلة ترتبط بضعف من يدخل ساحة الفضاء المجازي من الناس، خاصة
ضعف الوطنية والعقيدة، لأن هذا الضعف يجعله متلقيا مطيعا، وتابعا عبدا لما يصله،
وحقلا خصبا لتنمية الأضرار وزيادة رقعتها، من ثم ينبغي أن تولي القيادة المركزية
لأمن الفضاء المجازي عناية خاصة بالبنية والقوة الداخلية ووعي المستخدمين. كما
ينبغي أن تولي القيادة عناية بعملية الدفاع المضاد للاختراق العلمي والنفسي والعقائدي.
فضلا عن التركيز على زيادة الوعي الوطني والديني في مواجهة الحرية الزائفة للرأي.
من ثم لا ينبغي أن ينصرف اهتمام الرقابة على وسائل وآليات التواصل
الاجتماعي والمعلوماتي والعلمي مقصورا على جوانب أمنية معينة، أو مجرد الحفاظ على
أمن النظام، أو مواجهة الشائعات، كما لا ينبغي أن يتولي أمر الرقابة غير الخبراء
المدربين والعلماء واسعي الثقافة أصحاب الرؤى الوطنية والدينية المستقبلية.
من آليات تنقية الفضاء المجازي أيضا تشجيع الصناعة والدراسات في
هذا المجال من أجل زيادة مساحة الفضاء المجازي الوطني وآلياته وتقدم تقنياته، وهو
ما يتأتى من خلال تشجيع صناعة العلم والتقنية.
0 تعليقات