بقلم / سجاد الحسيني
في عصر صناعة الموت الذي يعتاش على تجارة الحروب لايكون للعدو سوى
هدف واحد وهو إركاع الخصم وإذلاله ومن ثم استسلامه هكذا هو القانون الذي خطه عشاق
الدم و نظرت له الشياطين على مر العصور .
دخل هذا المفهوم مراحل عدة حتى وصل بعد حصاد البشر الذي لايمثل سوى
صفر على يسار الرقم في معادلة الظلم البشري في الحربين العالميتين فخرجوا بنظرية
"التحطيم" ومفادها باختصار بدل ان تكلفنا الحرب ملايين الدولارات والدعم
اللوجستي والعدة والعدد نلجأ إلى "تحطيم سلاحة" لنأمن شره وشوشرته وإزعاجه
لنا والى الأبد فلا يعقل ان احد يقاتل دونما سلاح!! وهذا بالطبع أسهل بكثير من
الخيار الأول،
في ألمانيا استطاع الإعلام الحربي أن يُدخل نظام الدعاية التي
خُططت بشكل متطور بواسطة وزير الدعاية الألماني "جوزيف جوبلز" . الذي
كان له السبق في إدخال النظم الدعائية الحديثة.
واستخدمت الدعاية من خلال وسائل الإعلام الحربي في ذلك الوقت، حيث
اعتمدت على المنشورات، والإذاعة، ومكبرات الصوت بشكل يثير الغرائز الأولية للفتك
والتدمير. وحين ننظر إلى الدعاية الألمانية من ناحية قوتها الباطنة أي ما تنطوي
عليه، فإنها تبدو في الواقع كأنها مدفعية سيكولوجية تستخدم كل ما من شأنه أن يصدم
ويزعزع الكيان،
وكان لجوبلز مقولة : بدل ان ننفق الملايين ونخسر جنودنا في الحرب
نستطيع من خلال الدعاية ان نجعل جندي العدو حين يصل أصبعه للزناد يتردد في إطلاق
النار!
عمل "جوبلز" فنون دعائية أتت أكلها في ساحة الجحيم
العالمي حتى وصل به الأمر أن يطلق على شكل صعادات والعاب نارية في سماء العدو رسوم
تجسد حياة العائلة والأطفال وصورا رومانسية وعاطفية مستغلاً الظروف الجبهات وتمكن
من محاكاة عواطف جنود العدو ال والفترة الطويلة التي يقضونها في خنادق القتال
بعيدا عن أهلهم وذويهم وأحبائهم ..
ولان التحطيم يتخذ أشكال مختلفة ويختلف من بيئة الى أخرى ومن ظرف
لآخر فهو غير منحصر بنوع واسلوب معينيين اذ يضع منظر التخطيط الاستراتيجي ومعلمه الأول
"سوان تزو" في كتابه الشهير "فن الحرب" التي حرصت أمريكا على
ان يحمله كل جندي ذهب إلى حرب الكويت عام 4 أغسطس 1990 لقراءته وتعلم منه إستراتيجية
جديدة في حرب أسس ونظريات لازال العالم متمسك بأصولها .
ومن بين أقوال سون تزو ( اذا كنت تعرف نفسك وتعرف عدوك ستنتصر في
كل معركة وإذا كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك ستربح تارة وتخسر أخرى وإذا كنت لاتعرف
نفسك ولاتعرف عدوك فأنت خاسر كل المعارك) وهذه القاعدة مهمة للغاية لان عملية
التحطيم لابد ان تسبق بفهم حقيقي لإمكانيات العدو ومعرفة نقاط القوة والضعف لديه،
وواحد من أهم أنواع التحطيم هو تصفية ساحة الخصم من العقول لان
الفوضى والإذلال والإخضاع لاتنمو الا في العقول المتحجرة والمتخلفة لذا أؤيد كثير
مقولة " يعمل الجاهل بنفسه مالا يعمله العدو بعدوه"
في تاريخ عراقنا المعاصر كانت لنظرية التحطيم استخدامات واسعة
ومختلفة أولها قبل احتلال الجراد بساتين مابين النهرين والتي أصبحت قهرين فيما بعد
وفي خيمة سميت "صفوان" الذي بيع فيها بلد ناهز عمره ٧٠٠٠ عام فلم يسمع
من مجلس الشؤوم سوى كلمة Yas من مفاوض غبي حتى عرف بعدها "بمستر Yas "
من هناك بدأت بوادر التحطيم الممنهجة في تصفية المؤثرين في الساحة
العراقية مقابل تاخر احتلال العراق لبضع سنوات وهذا يعتبر وقت إضافي لمجرم نقش
عرشه بالدم والسيف وفرصة إضافية ليتربع أطول فترة ممكنة فوق عرش الأشباح على أطلال
بلد منهك منخور مقتول بكل أنواع القتل الذي ابتكرها بنو البشر!
فكان من بين الذي أشرت عليه قوى الضلال مرجعا يصدع بالحق والعدل والإنصاف
ورفض الظلم والجور وانتقاد سياسة القمع في وقت لايجرأ فيه الطبل ان يرفع صوته خوفا
وخشية من بطش السلطة واجهزتها القمعية .
فقد العراق حينها "صدرا صادقا" شهيدا ثانيا وثلة من
العلماء والمفكرين والاكاديمين وغيرهم بين مهجر ومقتول ومشرد ومفقود!
وبعد دخول اسراب الجراد اسوار بغداد واقتحام حصنها الواهن الذي صدع
به رؤوسنا بطل الحفرة العربية اخذت الخيوط تحل بعضها البعض وتتضح الحكاية جليا بعد
ان شعر الشعب العراقي بالفراغ الذي خلفه هولاء الناطقين العاملين وجعل الساحة
خالية من الواعين العارفين بامور زمانهم ودنايهم ودينهم وجعلها مفتوحة لحفنة من
الجهلة والخونة والعملاء والقاصرين والمقصرين عن حفظ بلد عريق مثل العراق،،
ولمثل هذا الموقف نستذكر قول صادق ال محمد عليه السلام ( العالم
العارف بزمانه لاتهجم عليه اللوابس) وكان الشيطان الأكبر فاهم ومدرك لهذا القول
جيدا عندما كان يخطط لاستباحة العراق واحتلاله،
لم تنتهي اللعبة عند هذا الحد مازال هناك أسلحة أخرى من المتوقع ان
تثور باي لحظة فكان سلاح التظاهرات والخروج عن المألوف والنزول إلى الشارع والثورة
على الفاسدين بسبب سياسة المغامرين الذين تسلطوا على رقاب العباد والبلاد وما
خلفوه من فساد مالي واخلاقي نخر جميع
مفاصل "اللادولة" وهدر المال العام وارتفاع معدلات الفقر والجوع وبقي
الموت هو الهاجس الوحيد الذي يخطف الشباب بعد ان خطف الحمقى أحلامهم لذا دفعو
الشبان فدية للطائفة ومفخخات الجيران وفدية لخلافهم وحتى توافقهم!
فكان الخروج بوجه هولاء المرتزقة بعد مهلة سبعة عشر عام متوقعة جدا
ومنطقية ،
شكل هذا الأمر هاجس حقيقي لمن يريد خراب البلد الجريح المستباح حتى
قال العراق كلمته وخرج الناس في انتفاضة سميت بانتفاضة حرية العراق في (تشرين ٢٠١٩)
وبعد انتهاء لعبة ركوب الأمواج واستعراض العضلات والخدع السينمائية
التي راح ضحيتها فدية أخرى من شعب نذر نفسه للموت او ربما خلق ليكون ضحية
الجلادين! وبعد ان تقاسم حيوانات الغابة الكعكة ومررت الأجندات أجهضت الثورة ليسقط
معها أخر سلاح مقدس يعول عليه الكادحين
واتهمت بشتى انواع التهم الجاهزة والملفقة اذ فعلوا بشياطينهم
المندسة ابشع واقذر مما يفعله اي مخلوق آخر وشوهو سمعة التظاهرات بافعال مستنكرة
طبعا من حرق وصلب وسرقات وقطع للشوارع وغيرها ومن ثم الصقوها بالمخلصين الباحثين
عن وطنهم في الركام الذي غطى وادي الرافدين ووملكة بابل والزقورة وسلالة حمورابي
.. حتى اوصلو الناس إلى نتيجة ان الخروج من اجل الوطن هو خيانة عظمى وتخريب
وغوغائي!!
ليتم تحطيم اخر اهم سلاح في هذه المرحلة اقل تقدير بمساعدة ومباركة
جهات تعد مقدسة وخط احمر في زمن كثر فيه الاحمرار والاخضضار ، مسكين هذا الشعب حقا
كم هو مخدوع.. والله المستعان.
سجاد الحسيني
20 كانون الأول 2020
0 تعليقات