آخر الأخبار

في البدء كان الكلمة ... والكلمة بدأ بـ (أقرأ)

 


 

علي أبو الخير

 

 

في عيد الميلاد المجيد، خالص التهاني والبركات لشركاء الوطن والدم، بل وشركاء العقيدة، وقد يستغرب البعض أن الأخوة المسيحيين شركاء في العقيدة، ولكننا نقولها عن قصد، ذلك أن جوهر الرسالات السماوية جوهر نقي واحد، جوهر الإلوهية والعدل والإخاء والمساواة وسيادة المحبة بين البشر، فالله تعالى أرسل رسله رحمة للناس وبالناس، فـ "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" لوقا |2 – 14، أليست هي الكلمات التي نقيس بها رحمة الله بالبشر، ثم أن نطلب البشر أن يرحموا بعضهم البعض، ليكون السلام على الأرض وتشيع المسرات بين الناس، على أية حال، لو تأملنا جوهر العقيدة في المسيحية لوجدناه يتمثل في الكلمة، لقد بشّر المسيح بالمحبة، وكرّز بالتسامح والعفو، جاء نبراسا للبشرية، وذلك لأنه جاء بكلمة وبالكلمة بشّر، الكلمة أغرب رأس حربة في تاريخ الإنسان، هي التي حررته من الأغلال وهي التي وضعته في الأغلال عندما يستبد الإنسان بأخيه، ولذلك لا نتعجب عندما نجد في القرآن الكريم، أول ما نزل هو قوله تعالى"اقرأ باسم ربك"، والقراءة لا تكون إلا للكلمات ثم تدوينها ثم نشرها، وثاني ما نزل من القرآن "ن والقلم وما يسطرون"، من جديد يؤكد الله على قراءة الكلمة وكتابة الكلمة بالقلم، والكلمة يجب أن تصون كرامة الإنسان، ولذلك جاءت الكلمات القرآنية بمعنى تعليمات ربانية، مثل "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه" البقرة |37، ومثل "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" البقرة|124، وغيرها كثيرون من مصطلح كلمات، والتي تعنى تعاليم إلهية تدعو للمساواة والعدل، وهنا ندرك أن المعرفة تبدأ بكلمة.

 

 

المسيح عليه السلام جاء برسالة المحبة، والمحبة تصورت أو تجسدت في كلمة، كما جاء في إنجيل يوحنا :"في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله"، وجاء فعل كان بالمذكر دون التأنيث، أي أن الكلمة ليست مجردة للقراءة، بل تجسدت في روح ابن الإنسان، وفي ضمير الغيب، والقرآن أكد أن المسيح كلمة، قال تعالى في سورة آل عمران | 45 : "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم"، وكذلك في سورة النساء| 171 عن المسيح "وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه"، إذن الكلمة اليسوعية هي الأصل والروح والجوهر، وهو ما يتفق مع الرؤية الإسلامية، ولكننا أيضا نجد تأكيد الأناجيل على أن يسوع الكلمة جاء بالحب، ومملكته ليست في هذا العالم، كما قال لبيلاطس الوالي الروماني، ولقد وصفت زوجة الوالي المسيح بالبار، وهو بالفعل بار بكل البشر. الغريب أن ابن الإنسان مصطلح سماوي لحق بالمسيح دون غيره، فقد تردد كثيرا في الأناجيل، فهوية الإنسان إذن عند الله في الإنجيل تتلخص في كون المسيح ابن الإنسان، وليس في كل الأناجيل عن المسيح إنه ابن الإنسانة (رغم أنه ولد بغير أب)، دليلا على كون التجسد اليسوعي للكلمة تجسدا عاليا شاملا الجنس البشري، فالمسيح يقول مثلا " الحق أقول لكم إن من القيام هاهنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته " متى 16/18، وأيضا يقول: " فإني أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان" متى 10/23، وكذلك : "قال لهم ابن الإنسان سيد السبت أيضا " لوقا 16/16، ثم أيضا: "بل لتعلموا أن ابن الإنسان له سلطه غفران الذنوب " لوقا 5/24، "لأن ابن الإنسان جاء ينشد وينقذ الضالين" لوقا 19/8-10، هنا ندرك قيمة الكلمة المتجسدة، أو الكلمة الروحية، ولا نبتعد كثيرا حول قيامة المسيح، فالإسلام أكد على أن المسيح في السماء، قال تعالى في سورة آل عمران|55 : "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا"، وهنا قد يحدث الخلاف، ولكن في النهاية يتفق الجميع على أن المسيح رُفع إلى السماء، ودعوته باقية على الأرض، ليكون بالناس المسرة والمحبة، لأن هذا الخلاف أبدا لا يسقط المحبة ولا رسالة الحب، كما جاء بها محمد والمسيح، ونقرأ في سفر اشعياء من العهد القديم |61 :1 - 3 حيث جاءت بشارة بالمسيح : "روح السيد الرب علىَّ لأن الرب مسحنى لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسرى القلب، لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنه مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا؛ لأعزى كل النائحين"، وهي كلمات يقشعر منها الجسد وتستفيق بها الروح، وهي تلخص دعوة السماء لأهل الأرض، دون أن يكون بيننا وبين الله أي واسطة من رجال دين، قد لا يضرون، ولكنهم أيضا لا ينفعون كثيرا، سلام على المسيح، وبشرى للحيارى، وعزاء للمكلومين من أبناء مصر، كل عام ونحن جميعا بخير، مع ابن الإنسان...

 

إرسال تعليق

0 تعليقات