آخر الأخبار

بناة مصر الحديثة العقل المصرى كيف تكون وكيف يتجدد؟ {5}

 


 

 

 

محمود جابر

 

لكن الأرض لم تكن وقفا على هؤلاء وحدهم . ففى بلد كمصر حيث الأرض هى المصدر الرئيسى بل والوحيد للسلطة والجاه نجد ان نسبة كبيرة من التجار لا تلبث ان تتجه نحو تملك الاراضى بمجرد ان تكون لنفسها بعض الثروة، ويمثل هذا الارتداد الاجتماعى ( الطبقى) نقطة أساسية فى خصوصية عملية النمو الرأسمالى المصرى .

 

ويورد على مبارك سردا للترع والرياحات فى مصر . ويورد بالمناسبة بيانا بالوابورات المركبة عليها . واسماء ملاكها.

 

ولا شك ان ملكية هذه الوابورات تمثل دليلا على ملكية الاراضى الزراعية المركبة عليها .

 

نموذج : بيلا ....

 

المرحومة والدة باشا : 20 وابور

 

- المرحومة توحيدة هانم : 32 وابور

 

- فاطمة هانم : 16 وابور

 

- جعفر باشا : 8 وابور

 

- على باشا الشريف : 9 وابور

 

- والدة باشا : 12 وابور

 

-         ذو الفقار باشا : 8 وابور

 

أما المصرى الممتلك وابورا فى كل هذه الناحية هو البدراوى عاشور الذى كان يمتلك وابورا قوته 2 حصان .

 

ويقدم لنا باير إحصاء بملكية إفراد أسرة محمد على أيام إسماعيل :

 

- الأميرة الوالدة 144927 فدان

 

- حسين توفيق باشا 31097 فدان

 

- حسين كامل باشا 25218 فدان

 

- الأميرة توحيدة هانم 20094 فدان

 

- الأميرة فاطمة هانم 28477 فدان

 

- الزوجة الأولى للخديوى 2381 فدان

 

- الزوجة الثانية للخديو 41605 فدان

 

-         الزوجة الثالثة للخديو 16 312 فدان

 

ويمضى الكشف ليصل المجموع الكلى 425729 فدان، فإذا أضفنا إليهم 503699 فدان وهى مساحة الأرض المملوكة للخديوى اسماعيل نفسه اتضحت ضخامة المساحة التى كانت تملكها الأسرة المالكة وحدها .

 

ولنستخدم مظهر ملكية الوابروات للحديث عن ظاهرة أخرى هى اتجاه الأجانب لتملك الأرض .

 

فعلى ترعة الباجورية وفى مركز سبك وحده نجد ان هناك الوابورات التالية :

 

- الخواجة ديمترى دونيكه وشريكه كومبيل ( شبرا بلوله) وابور واحد 14 حصان .

 

- الخواجة اصطفان اوفراكى المقيم ببدرشين ( دكما) وابور واحد 12 حصان .

 

- اصطفان اوراكى السابق الذكر (سرس) وابور 12 حصان

 

- الخواجة اصطفان المقيم ببندر منوف ( سنجرج) وابور واحد 10 حصان .

 

- ويؤكد باير ان الأجانب كانوا يملكون فى سنة 1887م قرابة 225181 فدان .

 

- لكن أبواب الثراء تفتح على مصاريعها أمام الملاك الجدد فمشروعات الرى وشق الترع والرياحات والمصارف تلك المشاريع التى راح ضحيتها الالاف من الفلاحين الذين فرضت عليهم السخرة تحت وطأة الكرابيج والجوع كانت – بالمقابل – مفتاحا لازدهار حقيقى فى مجال الزراعة، حيث زادت خصوبة الارض واتت بمحاصيل تزيد عن لسابق. وهكذا وكأن الهيكل الطبقى فى مصر يأبى لا ان يكرس نفسه. فالفقراء انتزعت أرواحهم لتحقق مزيد من ثراء الأغنياء .

- والقطن الذى أصبح تدريجيا محصولا رئيسيا ترتفع أسعاره عالميا نتيجة الحرب الأهلية الأمريكية . واذ ترتفع الأسعار تتزايد المساحات المزروعة قطنا وتتزايد بالضرورة الأقطان المصدرة للخارج فبلغت 350 الف قنطار عام 1850 م ثم ارتفعت بصورة غير متصورة الى 2 مليون قنطار عام 1865م ثم الى ثلاثة ملايين عام 1880م .

 

وتواصل الاسعار ارتفاعها لتضخ ثروة بغير حدود الى جيوب الملاك الجدد ونقرأ فى كتاب ديفيد لاندز: بنوك وباشوات : وعلى الرغم ان المحصول المصرى من القطن كان فى عام 1863 اكثر من اى عام مضى الا ان اسعار القطن فى الاسكندرية اعلى منها فى ليفربول وكانت الاسعار فى داخل البلاد اعلى منها فى الاسكندرية وهو امر مستغرب تماما يوضح تماما النزعة التضخمية التى اجتاحت البلاد . فقد كانت البلاد تتفجر ثراء ابتداء من الخديو الذى كان يملك قرابة 8 الى 9 رطلا من القطن وتراوده احلامه بدخل يزيد على مليون جنية استرلينى، الى الملاك الذين ازدادوا ثراء وحتى متوسطى الملاك وصغارهم اعتادوا على اكل الخبز الابيض وكثيرا من اللحم واشتروا الجوارى للعمل كخادمات ولمزيد من المتعة. وباختصار فإن كل من كان له علاقة بالزراعة او تجارة الذهب الابيض الجديد قد انطلق نحو افاق ثراء غير محدود.

 

والارض المزروعة تحولت – اذن – الى منجم ذهب تهافت الملاك على استخدام وابورات الرى وعلى استصلاح مزيد من الاراضى البور فاتسعت الرقعة الزراعية من 350000 فدان عام 1813 م الى اربعة ملايين و743000 فدان عام 1877م . وهكذا فإن هذا المخزون من الذهب فى الارض الزراعية ألهب شهية التجار وكل من لديه ثروة على التحول نحو ملكية الارض الزراعية . فشاهدنا تحولا غريبا فالتجار بدلا من ان يتطورا وفق النمط الاوربى نحو برجوازية صناعية ، تراجعوا فى المحتوى الطبقى ليصبحوا ملاكا للارض الزراعية .. وتتمركز حول هذا التراجع نتائج وتداعيات لعل كثيرا منها لم يزل كامنا فى مجتمنا حتى الان .

 

فإذا اتينا الى تطورات الوضع التاريخى والمجتمعى للتجار وهم العنصر الاساسى لاى جنين راسمالى . فاننا نلاحظ صعود عديد من التجار بعضهم مصريين واخرين مغاربة وحجازيين وشوام وحضارمة الذين كونوا فى زمن المماليك ثروات كبيرة من عمليات نقل بضاعة البندقية وغيرها القادمة من مدن ساحل شمال المتوسط الى الاسكندرية لينقلها هؤلاء التجار وعبر دلتا مصر الى السويس حيث يجرى تحميلها الى الهند وايضا العودة عبر ذات الطريق الى الاسكندرية وكانت هذه المهمة خليطا من التجارة والحراسة وخدمات النقل والتحميل . فازدهرت هذه الفئة وكونت ثروات طائلة حتى تحولت التجارة عبر طريق راس الرجاء الصالح فتضاءلت ثروات هذه الفئة من التجارة .

 

ولكى نعرف ثراء هذه الفئة نرجع الى ما كتبه الجبرتى عن تاجر اسمه الحاج الشرايبى فيقول ان كان من اعيان التجار المشتهرين وبيته المشهور فى الازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم واولاد مماليكهم من اعيان مصر . وكان الحاج رضوان كتخدا يتفسح عنده فى كثير من الاوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبه فى هذا المجلس الا اللطفاء من ندمائه .

 

لكن التجار المصريين ما لبثوا ان تلقوا ضربة قاصمة اخرى عندما احتكر محمد على مختلف الانشطة التجارية والمثير للدهشة ان نظرة سطحية الى منجزات محمد على ترى انه اقام صناعة حديثة ونظم معاملات تجارية واسعة واقام جهازا ادرايا حديثا ومنظما ويكون من المفترض ان يتحول ذلك كله الى قوة دفع لنمو البرجوازية والانطلاق بمصر فى طريق البناء الراسمالى التقليدى، لكن الواقع العملى اثبت ان النتائج جاءت معاكسة تماما. فالتجار انكمش نفوذهم وانكمشت معها ثرواتهم . ما الحرفيون فقد تحول الكثير منهم الى اجراء .

 

كانت الراسمالية تنمو لكنها كانت فى اغلبها فى ايدى الاجانب واذا لاحظنا ان الاجانب لم يكونا مطالبين بدفع الضرائب بينما يلقى عبء تحصيل مطلوبات الضرائب بأكمله على المصريين وحدهم اتضح حجم المشكلة ... !!

 

وللحديث بقية

 

 بناة مصر الحديثة العقل المصرى كيف تكون وكيف يتجدد؟ {4}

 

إرسال تعليق

0 تعليقات