تواصل معي الكثير من الأصدقاء المصريين عبر الهاتف والرسائل الخاصة ليقدموا
واجب العزاء في العالم الإيراني المهندس محسن فخري زاده وليعلنوا تعاطفهم وتضامنهم
معنا، اعتبر الكثير منهم أن الكيان الإسرائيلي هو الذي يقف خلف عملية الاغتيال،
بينما طالب البعض الآخر بأن ترد إيران سريعًا على هذه العملية.
لا ينتابني أي شك في أن هذا الحادث الأليم والمرير والحزين قد تم بأياد
الإرهاب السوداء، وأزهق روح عالم كبير ليس فقط من الشعب الإيراني بل من الأمة
الإسلامية، كما نعلم أن قلوب الكثيرين من المجتمع المصري متضامنة مع الحكومة
والشعب الإيراني، ونحن نقدر ونعتز بهذا التضامن والتعاطف، فلطالما كانت قلوب
الإيرانيين والمصريين متصلة على مدى قرون طويلة، وما أظهره الشعب المصري كرد فعل
على هذا الحادث المرير لهو دليل وحُجة أخرى على هذا التضامن والتعاطف الموجود، كما
أن مصر حكومة وشعبًأ مثلها مثل حكومة وشعب إيران قد ذاقت خلال سنوات ليست بالبعيدة
طعم اغتيال عدد من علمائها النوويين وغير النوويين، ومصر تعلم جيدًا من الذي يقف
خلف اغتيال هؤلاء العلماء وما هي اليد الحقيرة الملوثة ومن هم الذين يقفون خلف
اغتيالهم.
لقد أدانت الكثير من الحكومات اغتيال المهندس فخري زاده، حيث وصف البعض هذه
العملية بالجريمة واعتبرها البعض عمل لا يمكن الموافقة عليه، فيما عبر البعض عن
قلقه الشديد من عواقب هذا الاغتيال! بينما دعا البعض إيران (وهي ضحية الإرهاب) بضبط
النفس! والتزم البعض الآخر الصمت وكأن شيئًا لم يحدث! ولكن من بين كل ردود الأفعال
رأينا الفرحة التي تعم الكيان الصهيوني لدرجة أن هذا الكيان لم يتحمل تعبير
الاتحاد الأوروبي (الذي يدعي دائمًا دعمه لحقوق الإنسان) عن قلقه ووصف موقفه
بالمنافق!
هناك بعض الاختلافات في المعتقدات أو بعض الاختلافات في التوجهات السياسية
أو حتى النزاعات المريرة بين الدول الإسلامية في بعض المناطق، ولكن الحقيقة
الواضحة والصريحة أن عدوهم واحد، وكلهم مستهدف من جبهة واحدة. حينما كانت تمر
أوروبا بعصرها الأسود في العصور الوسطى وكان العلم فيها مهجورًا ومتروكا، أو حتى
تلك القرون الطويلة من الحروب والقتل الدموي الداخلي بسبب النزاعات الدينية أثناء
عصور محاكم التفتيش على العقائد، كان المسلمون حينها يعيشون تحت ظلال الإسلام
وتعاليمه وبرعوا في العديد من العلوم مثل الرياضيات وعلم الفلك والكيمياء
والفيزياء والطب وما إلى ذلك وأحرزوا تقدمًا كبيرًا، وبالتأكيد أن هذا الادعاء ليس
بمعنى تجاهل التطورات العلمية والإبداعات والابتكارات التقنية والفنية في تلك
الفترة في أوروبا، كما لا يُمكن تجاهل تأثير الثقافة والحضارة اليونانية على
الحضارة الإسلامية، ولكن مما لا شك فيه أن العالم الإسلامي ظل لقرون طويلة
ومتمادية أحد قطبي القدرات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والثقافية والأدبية
بل والقدرات العسكرية المحورية في العالم، لدرجة أن الحضارة الغربية الجديدة قد
استفادت أقصى استفادة من إنتاجات المسلمين العلمية.
إن القرآن الكريم، بتشجيعه تعلم العلوم وترغيب الإنسان في اختراق قطبي
الأرض والسماء، بث حياة جديدة في جسد الحضارة الإنسانية، وخلق أجواء علمية وثقافية
جديدة.
«يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ
أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ» (الرحمن - 33) «یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ
وَالَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»( المجادلة:- 11)
لقد أولى الدين الإسلامي أهمية كبيرة للعلم والمعرفة لدرجة أنه وفقًا
لعلماء القرآن، تم استخدام مادة العلم في القرآن الكريم أكثر من 750 مرة في أشكال
مختلفة.
وفقًا للتاريخ والمفكرين الكبار مثل ابن خلدون (ولد في تونس - توفى في
القاهرة)، فقد لعبت إيران قبل الإسلام وبعده دورًا لا غنى عنه في إنتاج العلوم
ونقلها وتطويرها وتعميقها في العالم الإسلامي.
لا شك في أن محسن فخري زاده كان أحد النوابغ في إيران والعالم الإسلامي في
مجال العلوم الفيزيائية والهندسة النووية والعلوم الجديدة في العصر الحالي، وكان
أيضًا أستاذًا لمئات الطلبة الذي كانوا يدرسون في مختلفة المراكز البحثية
والدراسية الإيرانية التي كان يشرف عليها بشكل مباشر أو غير مباشر. على الرغم من
الدعاية التي يقوم عليها أعداء إيران من ضمنها الكيان الصهيوني، فإن العلم النووي
الإيراني السلمي يخدم البشرية، وعلى الرغم من ضغوط الولايات المتحدة والكيان
الصهيوني، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من التقارير التي أكدت فيها
مرارًا وتكرارًا على سلمية الأنشطة النووية الإيرانية، إن العلوم النووية هي بلا
شك أحد متطلبات التقدم العلمي في العالم، . وقد أحرزت إيران تقدمًا كبيرًا في
المجال النووي السلمي في السنوات الأخيرة، وهو ما يراه المعسكر الصهيوني الغربي
تهديدًا لمحاولاتهم في احتكار في هذا المجال، لذلك ومن خلال اتهام إيران بعسكرة
أنشطتها النووية السلمية، فقد بررت أعمالها المناهضة لإيران بما في ذلك الاغتيال
المنظم للعلماء الإيرانيين، فلم يكن اغتيال المهندس فخري زاده هي أول عملية اغتيال
لعالم إيراني، حيث فقدت إيران خلال العقد المنصرم عددًا من علمائها النوويين خلال
عمليات اغتيال إرهابية منظمة، لذا فإن هذا الاغتيال المنظم لمحسن فخري زاده وبقية
العلماء الإيرانيين مثلها مثل عمليات الاغتيال الأخرى التي تستهدف علماء العالم
الإسلامي والعربي من ضمنهم عمليات الاغتيال السابقة التي استهدفت العلماء المصريين
والعراقيين واللبنانيين والتونسيين، وحقيقة الأمر أن اغتيال العلم والابتكار
والقدرات العلمية للعالم الإسلامي هي عقيدة معروفة لدى الكيان الصهيوني وهو يفعلها
حتى يكون الكيان الأقوى في المنطقة، كما أنها العقيدة المعلنة لأمريكا أيضًا حتى
لا تتشكل أي قوة تعلو على إسرائيل في المنطقة.
إن العالم الإسلامي وحتى يعود لعصره الذهبي، يحتاج إلى الطفرة العلمية،
وعلماء العالم الإسلامي هم الثروة الثمينة للعالم الإسلامي وقوته المحركة، من
الضروري للعالم الإسلامي أن يبذل المزيد من الجهد لدعم وحماية علمائه وأن يدين
اغتيال فخري زاده وأمثاله بأعلى صوت، وفي الختام يتبقى لنا سؤال وهو ما هي مسئولية
منظمة التعاون الإسلامي والمراكز العلمية والثقافية والدينية الكبرى في العالم
الإسلامي في إدانة هذه الاغتيالات ومنع تكرار هذه الأساليب الإجرامية والمعادية
للإسلام؟
السفير - ناصر كنعاني
رئيس مكتب رعاية مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية - مصر
0 تعليقات