محمد عبد الجبار الشبوط
الأصل في الحياة، ان الإنسان كائن حر مستقل، ذو سيادة، لا سلطة لأحد
عليه. لا يحق لأي كان أن يأمره بشيء او ينهاه عن شيء.
ولما كانت الحياة الجمعية في إطار دولة من الضرورات الاجتماعية،
وافق الناس على الانقسام الى قسمين: حاكمين ومحكومين، بشرط ان القسم الأول يمارس
دور الحكم بتخويل من القسم الثاني. ومن هنا انبثقت فكرة الشرعية. شرعية الحكام
منبثقة من إرادة المحكومين. وقد اقرت المادة الخامسة من الدستور بهذا المبدأ حين
قالت:"والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر
وعبر مؤسساته الدستورية". دينيا، هذا المبدأ مقبول ايضا، فقد أكدت المرجعية
الدينية على "ان الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما
ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب في
نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة". وكل هذا مشتق من
قوله تعالى في القران الكريم:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". فالإنسان هو الخليفة في الارض، وهذا قبل
الانقسام الى حاكمين ومحكومين، وعند الانقسام يجب ان يكون واضحا ان سلطة الحاكمين
انما هي مستمدة من سلطة المحكومين.يبقى المحكومون هم خلفاء الله في الأرض، أصحاب
السيادة، ومن هنا يبقى حقهم في تقويم الحاكمين ومحاسبتهم وانتفادهم وازاحتهم.
وبهذا المبدأ اسقطنا نظرية التفويض الالهي، والحكم بالوراثة، وبالتغلب (الانقلاب العسكري)،
وكل إشكال الحكم التي لا تستمد شرعيتها من المحكومين.
قسّم بعض الباحثين الشرعية الى قسمين: شرعية التمثيل وشرعية
الانجاز. فاما الاولى فتعني ان يتولى الحاكمون مناصبهم عبر الانتخاب الحر والنزيه،
وهذا يتم من خلال قانون انتخابات سليم. واما الثانية فتتحقق من خلال اعمال
وانجازات الحاكمين. والثانية تؤثر في الاولى. فاذا فشل الحاكمون في ان يقدموا
انجازات ترضي المحكومين وتسعدهم جاز لهم اسقاط شرعية التمثيل، والذهاب الى
انتخابات جديدة.
كل ما تقدم لا ينطبق على الحكومة الحالية ورئيسها. فهي ليست
الحكومة الديمقراطية التمثيلية التي تستمد شرعيتها من الشعب، انما هي حكومة
الاوليجارشية، التي وصلت الى سدة الحكم من خلال اتفاق عدد محدود من الرجال خلافاً
حتى للآلية التي يذكرها الدستور، فهي لا تتمتع بشرعية التمثيل. وفوق هذا، فقدت
الحكومة شرعية الانجاز بعد حوالي ٦ اشهر فقط حيث اثبتت اللجنة البرلمانية المكلفة
بمتابعة اعمال الحكومة انها لم تنجز ٨٠٪ من برنامجها المعلن. ودل على ذلك نسبة
الرضا التي تتمتع بها الحكومة. فقد دل استطلاع اولي للرأي على ان ٨٠٪ من الناس
يؤيدون اقالة الحكومة. قد يجادل البعض بانه لا ضرورة لاقالة الحكومة الان خاصة وان
الانتخابات على الابواب. وقد تكون هذه الحجة معقولة للوهلة الاولى، لكن نقطة ضعفها
الاساسية تتمثل في احالة ملف الانتخابات الى حكومة غير شرعية، لا تتمتع بشرعية
التمثيل ولا بشرعية الانجاز. وهذه مفارقة كبيرة لا يرضى بها الشعب الواعي.
0 تعليقات