آخر الأخبار

شيفرات العلاقة العميقة بين تركيا وإيران

 


 



تورغوت اوغلو

 

محلل سياسي تركي



أكاد أستطيع القول إن قضية العلاقة العميقة والخفية بين حزب العدالة والتنمية وإيران، هي من أكثر القضايا التي بذلت الوسع في سبيل سبر أغوارها، وسبق لي أن قابلت الأشخاص والمسؤولين الذين لهم اطلاع واسع على خلفيات تلك العلاقة.

 

ولا ننسى أن هناك بحوزة المحاكم التركية 103 مجلدات وعشرات الآلاف من الصفحات المتعلقة بمنظمة "السلام والتوحيد" الإرهابية التي أنشأتها الاستخبارات الإيرانية في تركيا.

 

ولذلك كان العنوان الذي وضعته لهذا المقال في البداية هي "العلاقة العميقة بين حزب العدالة والتنمية وقوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني"، لكنني غيرته ليكون أكثر وضوحاً.

 

وبالنسبة لقضية الاختطاف هذه، فمن المعلوم أن حبيب أسيود الكعبي الرئيس السابق لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز (ASMLA) اختُطف من قبل المخابرات الإيرانية في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بعد ساعات من دخوله تركيا. وأود أن أتطرق بإيجاز إلى أهمية منطقة الأحواز حتى نعرف أين نضع حادثة الاختطاف.

 

إقليم الأحواز

إن إقليم الأحواز يقع جنوب غربي إيران، ومعظم سكانه من العرب، ويسميه الإيرانيون محافظة "خوزستان"، وتحظى بأهمية بالغة بالنسبة للأمن القومي الإيراني، كما أن الاستقرار الاقتصادي لإيران يعتمد كثيراً على الثروة الاقتصادية الموجودة بهذه المنطقة.

 

وتقع الموانئ في هذه المقاطعة على ساحل الخليج العربي، وتربط إيران بالمياه المفتوحة، وهي أيضاً من أهم طرق التجارة مع البلدان الأخرى، وتمتلك هذه المنطقة أيضاً أغنى احتياطات وموارد النفط والغاز الطبيعي الإيرانية، وفي ما يتعلق بطرق نقل الطاقة الدولية، فإن النفط والغاز الطبيعي اللذين ينقلان إلى شرق آسيا وجنوب آسيا وأوروبا، يمران من هذه المنطقة، بالإضافة إلى أن الأحواز هي المركز الصناعي لتصدير وتوزيع جميع موارد النفط والغاز الطبيعي في إيران.

 

فبسبب وجود الميناء بهذه المنطقة، تم إنشاء مصانع للبتروكيماويات ومصافي التكرير وخمس محطات لتوليد الطاقة الحرارية والغاز الطبيعي.

 

ومن جانب آخر، فإن وجود المجموعة الوطنية لصناعة الصلب الإيرانية، وشركة حديد "خوزستان"، وغيرها في هذه المنطقة، تضفي مزيداً من الأهمية على المنطقة، وتلبي إيران أيضاً جزءاً كبيراً من احتياجاتها من السكر من هذه الولاية.



ومن الجوانب المهمة للمنطقة كونها تحتوي على 40 في المئة من موارد المياه السطحية في إيران التي تعاني بشكل عام الجفاف وشح المياه، وتقع منطقة الأحواز على خط حدودي مشترك مع العراق يمتد إلى 1200 كيلو متر.

هذه الأمور في مجملها كافية لأن تعطينا فكرة حول مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة لإيران، ولماذا تقوم طهران باختطاف معارض من خارج البلاد.

 

تم استدراجه إلى إسطنبول

 

وفي ما يتعلق بالجانب التركي في هذه العملية، فقد حدثت عملية اختطاف حبيب أسيود الكعبي قبل نحو شهرين ونصف الشهر، وذلك عندما استُدرج إلى إسطنبول، حيث اختُطف هناك ونقل بطريقة ما إلى مدينة (وان) المتاخمة لإيران، ومن هناك تم تهريبه إلى إيران.

 

ويبدو لي أن هذه العملية لا يمكن تنفيذها بهذه الطريقة من دون مساعدة أجهزة الأمن التركية.

 

فقد راقبه ثلاثة أشخاص في نقاط مختلفة من مطار إسطنبول المزدحم بالكاميرات، ثم خطفوه، ليمروا به عبر 12 محافظة.

 

ثم أتت المخابرات التركية بعد شهرين ونصف الشهر من الخطف لتنفذ عملية ضد الخاطفين، ونشرت صورا عن العملية.

 

مع هذا أكدت السلطات التركية اعتقال عدد من الأشخاص المتورطين بعملية الاختطاف واتهمت المخابرات الإيرانية بتدبير العملية بالتعاون مع عصابة تعمل في تهريب المخدرات.

 

ولكن دعوني أقول، يبدو لي أن هذل الأمر ليس  إلا عرضاً يريدون منا مشاهدته حتى نلتهي به عن حقيقة الموضوع، علماً بأن العملية لم تكن ضد الخاطفين بالفعل، بل ربما ضد مستأجرين ليس لهم علاقة بالموضوع سوى حصولهم على مبلغ من المال مقابل مشاركتهم في المسرحية، إذ إن الشخص الذي قام بعملية الخطف هو تاجر المخدرات الإيراني ناجي شريفي زنداشتي.

 

بمعنى آخر، يمكن أيضاً أن نقول إنه عنصر المخابرات الإيرانية في تركيا، والذي يعمل لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وقد رد زنداشتي على الأسئلة الملحة لأحد الصحافيين، وتم نشر شريط الفيديو الخاص به أيضاً على ثلاث حلقات.

 

معلومات مهمة

 

صحيح أنه لم يعترف بكل شيء، لكنه أدلى بمعلومات مهمة، وصرح بأن له علاقة وثيقة بأقارب رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، ومن النقاط المهمة التي أدلى بها ادعاؤه بأن له علاقة ودية مع قائد قوات الدرك، عارف جيتين، المسؤول عن جميع العمليات التي تجرى ضد المخدرات في تركيا، وأكد أيضاً صداقته مع سلامي ألتينوك، وزير الداخلية السابق ومدير الأمن العام الأسبق، والذي لا يزال نائباً برلمانياً في صفوف حزب العدالة والتنمية.

 

ولم يهمل زنداشتي الإشارة إلى أنه دفع مبالغ من الأموال لأعضاء حزب العدالة والتنمية من أجل الحصول على الجنسية التركية. ونحن نعلم أيضاً صداقته مع وزير الداخلية الحالي سليمان صويلو منذ زمن بعيد.

 

ومن الجدير ذكره أن زنداشتي هذا اعتقل في أبريل (نيسان) 2018، وكان يحاكم بطلب السجن المؤبد أربع مرات، بالإضافة إلى 24 عاماً، لكن أفرج عنه وعن ثلاثة من رفاقه في 19 أكتوبر من العام نفسه بقرار من قاضي الصلح والجزاء (جودت أوزكان).

 

وكان زنداشتي على علاقة قوية مع العميل الإيراني رضا ضراب المعتقل حالياً في أميركا على خلفية غسل أموال إيرانية من خلال "بنك هالك" التركي.

يذكر أن قضية "بنك هالك" لا تزال قيد المحاكمة في الولايات المتحدة، وأن رضا ضراب طلب من المحكمة تخفيض مدة السجن مقابل ما يدلي به من اعترافات.

نعم، هناك الكثير مما يمكن أن نقوله عن المد الإيراني في تركيا، فهناك أشخاص خطيرون يحظون بالأهمية البالغة بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية.

ولا يزال هناك عدد كبير من المحافظين وضباط الشرطة والجنود والقضاة والمدعين العامين قابعين في السجون بسبب مساسهم بالكيان الإيراني في تركيا.

فهذه نبذة موجزة عن زنداشتي الذي قام باختطاف حبيب الكعبي، لكن السؤال المطروح لماذا لم تقم المخابرات التركية بعملية ضد زنداشتي نفسه؟ ولماذا لم تطالب بمحاكمته؟ ولماذا اكتفت فقط باعتقال عدد من رجاله الذين يعملون له مقابل المال؟ ولا أشك أن الإيرانيين وزنداشتي الذي لا يعرف مكانه بالتحديد يستمتعون بمشاهدة هذه المسرحية ليس إلا...

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات