محمود جابر
فى البداية اتوجه بالشكر لصديقى العزيز عاطف مغاورى النائب البرلمانى
المحترم ونائب رئيس حزب التجمع ؛ الذى أرشدنى لهذا الكتاب الهام والعظيم القدر،
والكتاب الذى سوف انقل بعض من سطوره بنصه وربما بتصرف للدكتور المحترم والمؤرخ
الفذ والسياسى القدير رفعت السعيد، وهو قامة معرفية وثقافية مصرية قل ما تتكرر
بأنتاجه الغزير والمعرفته الموسوعية، ورغم انى من النوع الذى من الصعب أن يقع فى
شراك كاتب أو مؤلف او مؤرخ ولكن اعترف أنى وقعت فى شراك رفعت السعيد لدرجة يصعب
وصفها، رحمة لله واسكنه فسيح جنته وتجاوز عنه ..
الكتب تكلم عن العقل المصرى والتكوين الحديث والحداثة والتجديد
وتعثر ذلك ومراوحته والسبب وراء كل هذا، ولعل فى حديثى أمس عن خطر العقل الانجليزى
على العالم اجمع هو ما وجته اليوم مسطرا فى سطور هذا الكتاب الصادر عن الهيئة
العام للكتاب فى مصر " مكتبة الاسرة " والموجود حاليا فى الاسواق
المصرية ومع باعة الصحف ..
الكتاب ....
لماذا؟
ولعل من واجبى أن أفسر للقارىء، بعد أن فسرت لنفسى سر ذلك الاندفاع
نحو إعداد هذه الدراسات المنغمسة فى فحص وتحليل وبحث هذه الشخصيات، وكيف انتقيتها،
ولماذا هى بالذات وهل تكون بهذا قد نفضت يديك من اهتمامك بالبحث عن ضرورات التجديد
والاجتهاد ومواجهة التأسلم والجماعة الإرهابية وزعانفها والسلفيين المتطفرفين
الطائشين منهم والماكرين؟
وهل قررت الصمت مللا او هربا من معركة تصويب العقل الرسمى الذى
يقول ويفعل، أو قد يفعل بعض رجاله العكس، وهل انتحيت الى موقف جديد مريح تستريح فى
رحابه الى دراسات عن اشخاص قالوا ورحلوا، او كتبوا وطويت صحفهم نسيانا او تناسيا،
وهم فى كثير من الأحوال يختلفون مع بعضهم البعض، ويتناقضون أو يتحاربون أو يفعلون
الاثنين معا... وهم على كل حال قد انتهى امرهم ونسيهم الناس وتناستهم مصر....
والحقيقة أنه ما من شىء من ذلك، فأنا لم أزل أحاول الخوض فى بحر
الشوك وغنما قررت ان احاول فهم طبيعة التراكمات وحتى الذرات التى تكون منها نسيج
العقل المصرى، فالفكرة المؤسسة لهذا الكتاب هى البحث غير البرىء، وإنما الذى يفتت
مكونات العقل المصرى حتى يستطيع ان يستجمها من جديد بعد استيعابها لبعضها البعض
وتداخلها ووتناقضها مع بع ضها البعض ثم كيف تركت ذرات العجينة؛ كى تتداخل وتتفاعل
وتتمثل كل منها الاخرى، ثم يختمر هذا العجين لتفوح منه روائح العقل المصرى .
فنحن إزاء مجتمع أطل على عالم بدايات القرن العشرين وما قبلها
بقليل؛ ثم ما بعدها ومصر تحاول أن تتنفس رحيق ازهاره وتدوس بلا خوف على تراكمات
أشواكه، تعيش زمن احتلال ماكر غادر، وتخلف فكرى يقوده بعض المتعلمين من ذوى
العمائم الذين يتصارعون مع عمائم أخرى أكثر فهما واكثر تعقلا وربما اكثر معرفة
بالاسلام، وفى المواجهة أيضا يقف مفكرون مصريون تعلموا، تثقفوا، كتبوا، ترجموا،
لكنهم تعثرت خطاهم فى حبائل نصبها اللورد كرومر الذى قرر أن يرسم بنفسه ولنفسه
لوحة لمصر التى يريدها.
مصر تقوم ولكن لا هى نهضت ولا هى قعدت ، بل نصف وقفة كما يفعل
المنهكون من كبار السن يتظاهرون بمحاولة الوقوف ويبقون فى منتصف الحركة .
وكرومر إذ وجد أمامه مثقفين من ابناء الأعيان الريفيين ووجدهم
يحاولون التألق بالليبرالية نص .. نص . ودفاعا عن المرأة نص ... نص ...
وحديث عن الوحدة الوطنية نص ... نص ...
وموقف من الاحتلال يتمهل ولا يستعجل، ويتهرب من الصدام بادعاء
استدعاء التعليم أولا والنهوض بالاسرة كتمهيد لامد قد يتبدى بعيدا ومملا يتحدون
فيه سلطة الاحتلال بما وضعهم فى موضع الشك من النخبة المصرية التى أهاج مشاهرها
زعيمان ألهما جزءا منها حمية النهوض بنزعات العداء للاحتلا والمناداة باسم مصر ...
ومحبتها والتضحية من اجلها
.. وكرومر فى ذلك كن يحاول ان يستكمل صورة اللوحة التى أرادها، واراد لها زعيما
ليس بالضبط على مقاس يريده كرومر، ولا بالضبط على مقاس يريده الشعب، فلجأ إلى مشغل
الاميرة نازلى الذى كانت تقوم فيه بتصنيع النخبة على مقاسها ووفق ذوقها الملوكى،
وانهمكت اصابع كرومر فى تطريز صورة الزعيم المرغوب فيه وكان " سعد
زغلول" ثم وضعه فى مواجهة ابن الاعيان أحمد لطفى السيد ليناقضا ويتحالفا
ويتحابا ويتباغضا ويعض كل منهما أصابع بعض وهو ما نراه جليا فى كتابنا عن لطفى
السيد، ولكن التعقيد يزداد تعقد ببروز دو مفكرى شوم أتوا الى مصر لينطقوا بعد أن
سد أفواهم ظلم الولاة العثمانيين وظلم الكنيسة المارونية فى بلاد الشام... وكرومر
الماكر يرحب بهم ويمنحهم حرية القول فيما عدا نقد الاحتلال وكل ما بعد ذلك مباح .
وهكذا تشابكت وتفاعلت مفاهيم عقلانية ومتخلفة – علمانية – ومتدينة ودعوات لتحرير
المرأة، ولكن فى حرص وتستر...!!
وحديث عن الخلافة العثمانية باعتبارها ضد أحب الشعارات " مصر
للمصريين " وكلام عن العقل والعقلانية والعلم والعلمانية وصيحات تنادى بتطبيق
فورى للشريعة، وحتى الشريعة اختلفوا حولها . عمائم متقدمة وليبرالية اختلفت مع
عمائم مصمته وبلا ثغرة تنفذ منها رياح او حتى نسمات لعقل عاقل.. ونزعات تشطح فتصل
الى حدود يشهق البعض ازاءها متهمين اياها بالالحاد ، بينما اصحابها يتأبهون بايمان
دينى ذى مذاق غير مفهوم، كل هذا واضعاف اضعافه تداخل ومتزج واخرج عقلا لنخبة
مرتبكة ومترددة احيانا، ومندفعة فى احيان اخرى . من كل هذا يتكون فكرنا وعقلنا
وطموحنا وخلافنا وصراعنا... وبه عبره وبفهمه يمكن ان نفهم مجرى المياه المصرية فى
الارض المصرية لينبت شكا مصريا وورد مصري ولا يكون هذا لا مع ذاك ...
وبفهمه ولتأمل فى مكوناته يمكننا ان نفهم ، لماذا هذا المثقف
المصرى متردد وخائف هكذا، ولماذا التأسلم فج هكذا؟ ولماذا الموقف من التجديد مرتبك
هكذا؟
ولماذا لا تثمر الوحدة الوطنية الا ثمارا غير قادرة على النضج
المكتمل ؟
بدون التامل ومحاولة الفهم وايجاد أسلوب للتعامل مع هذا الواقع
المعقد جدا، والذى يزداد تعقيدا كلما حاولت فك ألغازه.. لن تستطيع ان تجيب إجابة
سخية حول أسئلة من نوع، لماذا تقول بالتجديد ونراوح مكاننا؟
ولماذا نتحدث عن التقدم ونحن " محلك سر"؟ ولماذا نقول
بالتجديد ، ثم نخنق صوته، وكأننا نسعى لتجديد صامت خائف مرتجف .
والأسئلة بغير حصر .... وانا محاصر بها جميعا، ولهذا سعيت نحو هذه
الكتابة فعل – أقول لعل – يكون السعى فى كتابات كهذه لشخصيات طحنت دقيق العقل المصرى
المحتزن فى اعماقنا دون إفصاح عن نفسه ، وصنعت منه عجينا متداخلا وتركته بحجة
انتظار اختماره، ثم نسينا العجين والعقل وحماية الوطن والمستقبل .
0 تعليقات