عمر حلمي الغول
عملية إغتيال العالم محسن فخري زادة، ابو القنبلة النووية الإيرانية يوم
الجمعة الماضي 27 نوفمبر الحالي شكل صفعة جديدة للمؤسسة الأمنية، وأظهر بوضوح
إنكشاف ظهر إيران أمام أعدائها في الداخل والخارج. لا سيما وانها ليست العملية الإسرائيلية
الأولى ضد العقول المختصة بالبرنامج النووي، فمنذ عام 2010 تم اغتيال خمسة علماء،
هم: مسعود علي محمدي، ومجيد شهرياري، ودارويش رضائي نجاد ومصطفى احمد روشن، إضافة
لذلك قامت إسرائيل بسرقة الملفات المتعلقة بالبرنامج النووي نهاية مطلع 2018،
واستغرقت عملية السرقة للصناديق ال32 ست ساعات و29 دقيقة حسب تقرير اصدرته صحيفة
واشنطن بوست الأميركية في 18 كانون اثاني/ يناير عام 2018، ومطلع العام الحالي 2020
إغتالت في بغداد العاصمة العراقية قاسم سليماني مع اخرين، اضف إلى الحرب
السيبيرانية المفتوحة بين الجانبين، والتي تتمتع فيها إسرائيل الإستعمارية بالتفوق
الواضح.
وفي كل مرة تعلن جمهورية الملالي عن الرد على جرائم الحرب الأسرائيلية،
وتلوح بضربات قاصمة ضد الأهداف المعادية، بيد انها درجت على إستخدام نفس اسلوب
الدول العربية، التي تتعرض لإنتهاكات لاجوائها واراضيها واهدافها الحيوية، بأنها "سترد
في الزمان والمكان المناسبين". لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وهذا ما اعنه الرئيس
الإيراني، حسن روحاني يوم الجمعة في اعقاب عملية الأغتيال الأهم لابو البرنامج
النووي، محسن زادة، حيث قال: لن نقع في الفخ الإسرائيلي الأميركي، بتعبير آخر، قال
ذات المنطق باسلوب آخر، لكنه يصب في ذات المضمون.
وما دعوة مجلس الأمن القومي الإيراني يوم السبت الماضي الموافق 28 نوفمبر
الحالي إلآ لذر الرماد في العيون، والإيحاء بانها جادة في مناقشة عملية الرد،
وإختيار هدف ما من صندوق الأهداف الإسرائيلية. لكن جمهورية ايران الاسلامية ليست
طليقة اليد، ومكبلة بأكثر من عامل، منها: اولا ضعف الإمكانيات العلمية عموما
والسيبيرانية الإيرانية مقارنة بإسرائيل؛ ثانيا اتساع رقعة الأعداء؛ ثالثا ضعف
أدواتها وحلفائها في الأقليم؛ رابعا عدم استعداد اقطاب دولية لتبني خيار الرد
الإيراني على اسرائيل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر روسيا الاتحادية؛ خامسا
خشية إيران من ضربة أميركية إسرائيلية مشتركة، خاصة وأن إدارة ترامب المنتهية
ولايتها تتوعد ايران قبل رحيلها، وهي حاجة لصانع القرار الأميركي لتحقيق أكثر من
هدف، منها الرغبة بخلط الأوراق في الأقليم الشرق أوسطي قبل المغادرة، وإرضاءً
لحلفائها في دول الخليج العربي، والأهم استجابة للخيار الإسرائيلي؛ سادسا لا تريد
الإقدام على توجيه ضربة لإسرائيل قبيل مغادرة ترامب البيت الابيض، وقبل إستلام جو
بايدن الرئاسة مطلع العام القادم، وكونها تراهن على إستعادة العمل بروح اتفاق 5+1
مع الإدارة الديمقراطية ... إلخ
في ضوء المعطيات الماثلة ما العمل؟ وما هي الخيارات الإيرانية الممكنة؟ هل
تبقى تلوح بالرد اعلاميا، ام تقدم على توجيه ضربة ضد احدى السفارات الإسرائيلية،
ام تعطي الضوء الاخضر لحزب الله في لبنان، او حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة،
ام الحشد الشعبي في العراق، أم الحوثيين في اليمن، ام تنفيذ عملية من القنيطرة
السورية؟ وهل اي من هذة الضربات يشكل ردا مناسبا على جملة الصفعات القاسية، التي
وجهت لها؟ وهل حلفائها لديهم الجاهزية للرد، ام انهم ليسوا كذلك، ولا يريدونه الآن
لإعتباراتهم الخاصىة؟ وهل الرد بهذة الشاكلة يفي بمكانة ايران الإقليمية؟ وهل عدم
الرد والبقاء في موقع المراوحة والطنطنة الاعلامية سينقذ ايران من استهداف اميركي
اسرائيلي قبل نهاية العام؟
وكل الخيارات الايرانية صعبة ومعقدة، فلا الاقدام على الرد يمثل خروجا من
المأزق الحالي، لإن كل من ادارة ترامب وحكومة نتنياهو تسعى لذريعة ايرانية حتى
تستغلها في توجيه ضربة كبيرة لا تستهدف المشروع النووي فقط، وانما اهدافا عسكرية
وإقتصادية أوسع. كما ان عدم الرد لا ينقذها من عار الهزيمة والشماتة من الجماهير
والقوى الايرانية عموما والمعارضة خصوصا، ومن اعدائها الاقليميين والدوليين. اضف
إلى ان عدم اعادة الاعتبار لمكانتها سيفتح شهية الاعداء في استباحة المزيد من
الآهداف الداخلية والخارجية.
مما لا شك فيه، ان عملية إغتيال العالم محسن زادة، كان صفعة قوية ومؤلمة
لحكام جمهورية الملالي، ولا تقل إيلاما عن إغتيال سليماني وسرقة ملفات البرنامج
النووي. غير ان صواريخ ايران البالستية وغيرها من الصنوف والمسميات ستبقى في
مرابضها، إلآ اذا فرضت عليها الحرب، ورغما عنها، عندئذ قد يتاح لها الإنطلاق، إن
لم تضرب في منصاتها. وقادم الأيام كفيل بالجواب.
0 تعليقات