عز الدين البغدادي
كنت في المرحلة الثانية في دراستي الجامعية حينما كتبت بحثا في
مادة علم النفس التربوي عن "الماركسية والتربية" وبينت فيها أن
الماركسية رؤية فلسفية لها إسقاطاتها على المنظومة المعرفية البشرية ككل، فكما في
الاقتصاد والتاريخ والاجتماع كان لها رؤيتها في الفن والأخلاق والتربية والعلاقات
الاجتماعية وغير ذلك.
مثلت الماركسية تيارا واسعا في العراق نشأ عنها أحزاب وحركات
كثيرة، وبغض النظر عن الرؤية التقليدية خصوصا الدينية فقد كانت لها فوائدها
الواضحة فقد استطاعت ان تستقطب كثيرا من الجماعات الدينية والاثنية المنغلقة، وكان
انتشارها كبيرا في الوسط اليهودي في العراق كما بين الايزيدين فضلا عن انتشارها الأوسع
في الجنوب وفي الشمال وبدرجة اقل في الوسط مما مكنها من تجاوز عقدة الانغلاق المجتمعي.
لم يقتصر الأمر على تجاوزها العقدة الدينية- الاثنية، بل إنها نجحت
وبشكل كبير في كسر الترتيب الطبقي الظالم وأضعفت بشكل كبير ثقافة الطبقية التي
يحتكر بموجبها أبناء الباشوات والإقطاعيين والذوات كل شيء، وأعطت قيمة لكل من أبناء
الأسر الفقيرة والمعدمة.
إلا أن الماركسية بقيت تقف أمام إشكالات كبيرة وخطيرة سواء من حيث
رؤيتها النظرية او من حيث عملها السياسي. وقد كان من أهم اشكالياتها النظرية
اشكالية الهوية، فهي فلسفة أممية تتجاوز الهوية وهو امر تترتب عليه نتائج كثيرة
خطيرة، وهو ما سبب رد فعل كبير ضدها.
فضلا عن إشكالات أخرى تتعلق بنظرتها الى الدولة والاقتصاد والتاريخ
والديمقراطية.
سياسيا فإن قرارها بقي مرتبطا بالاتحاد السوفيتي فكان كثير من
مواقفها يمثل انعكاسا لتلك الرؤى والسياسات التي لا ينسجم كثير منها مع مصالح الأمة.
كما ان الماركسية العربية والعراقية بالذات بقيت ضعيفة في أدائها
السياسي فرغم انها كانت تحوز على قاعدة شعبية واسعة في فترات سابقة، لم تصل ثقافة
الماركسي العراقي الى رؤية ناضجة في العمل السياسي، ولا زال كثير منهم يشعر بثقل
الخطأ في دخول مع البعثيين تحت ما عرف بالجبهة الوطنية التقدمية وهو ما جعلهم
يخسرون الكثير الكثير.
كما انهم لم ينجحوا في تكوين رؤية جديدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي
عام 1989 كما فعلت الاحزاب الشيوعية في شرق اوربا، فبقى الشيوعي يجتر ادبيات
مستهلكة وعبارات ذهب زمنها وضعف تأثيرها. بل الكارثة ان تجد كثيرا من الماركسيين
اختاروا ان ينقلوا رحالهم الى الزورق الامريكي، والمشكلة انهم بقول مع ذلك
ماركسيين في اقوالهم فمثلوا ازدواحية مرعبة وتناقضا بين النظرية السياسية والعمل
السياسي.
واتضح ذلك في فشلهم السياسي الكبير بعد 2003 عندما دخلوا العملية السياسي
التي نظمت وفق نموذج طائفي عندما حسب مقعد الحزب الشيوعي على حصة الشيعة‼ ثم كرروا
الخطأ نفسه في هذه المرحلة في دخولهم بتحالفات سيجنون من وراءها كثيرا من الندم
الذي سيجعل هذا الحزب مجرد قضية تاريخية انقضى وجودها ودواعي استمرارها.
0 تعليقات