محمود جابر
المتابع للعلاقات الخفية بين إيران وإسرائيل منذ قيام ثورة 1979،
ودعم مؤسسات حقوق الإنسان الأمريكية - خاصة مؤسسة كارتر لحقوق الإنسان- لتلك
الثورة، والإطاحة بشاه إيران، وشراء إيران أسلحة من إسرائيل إبان الحرب العراقية
الإيرانية وهو ما يعرف بـ"إيران جيت"، والتعاون والتنسيق بين إيران
والولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، يجد أن مثل هذه التهدايدات المتبادلة ما
هي إلا أوراق ضغط، يراد من ورائها تحقيق مكاسب على أرض الواقع على خلفية الصراع
الدائر في المنطقة العربية كما هو الحال في سوريا واليمن على سبيل المثال.
التوعد الاسرائيلي، والرد الايرانى، والـ B52 الامريكية
التى توال طلعاتها فى منطقة الخليج ما هى الا شروط جديدة للإدارة الأمريكية للعودة إلى
الاتفاق النووي، ومن بينها مناقشة برنامج الصواريخ الباليستية وعدم تدخل إيران في
الشؤون الداخلية لدول الجوار لزعزعة استقرارها، هو النقطة الأساسية لتفسير هذه
الاتهامات المتبادلة.
التعليقات الإسرائيلية التي وصفت عودة واشنطن إلى
الاتفاق النووي الإيراني بالـ"خطأ" لا تعدو كونها ورقة ضغط على
الإيرانيين لقبول ما سيطرح أثناء مناقشة بنود جديدة للعودة إلى الاتفاق النووي
الإيراني، لكن الإيرانيين يدركون هذا الأمر وبالتالي فإن التصريحات
الإيرانية تستبق الأحداث وترمي بالكرة في الملعب الأمريكي، إذ تقول إن على
الأمريكيين عدم فرض شروط على إيران إن أرادوا عودة إيران للاتفاق النووي، بل إنهم
رفعوا نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 % ووعدوا بزيادة هذه النسبة، ورفضوا مناقشة
البرنامج الصاروخي الإيراني، واتهموا إسرائيل بالعمل على تقويض نظام الحكم في
إيران، وفق تعبيره.
واذا ما تركنا ساحة التصريحات الإيرانية والأمريكية
والإسرائيلية الى سوريا سوف نكتشف ان جبهة (مقاولات المقاومة) تتحرك بنفس النفس فى
كل الإقليم عبر الماكينة الإعلامية سواء من مسئولين أو إعلاميين نظاميين.
فقد نشرت جريدة «تشرين» السوريّة الرسميّة
يوم 21 يناير / كانون الثانى افتتاحيّاً
لرئيس تحريرها السيّد محمّد البيرق بعنوان: «مَن نحن بعد هزيمة الإرهاب؟».
المقال يبدأ بالإشارة إلى «إنجاز سوريّا –
بقيادة سيادة الرئيس بشّار الأسد، وباستلهام أفكار سيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد
– أكبر انتصار تاريخيّ على الإرهاب والإرهابيّين التكفيريّين». لكنّ المقال لا
يلبث أن يستنتج «ضرورة الخروج بتعريف جديد للنفس بعد انقضاء المرحلة السابقة التي
حفلت باختلاط المعاني وسقوط بعضها».
«فهل نحن عرب؟» يتساءل المقال، ثمّ يجيب
بالتالي: «نعم ولا. نعم: لأنّنا نتكلّم العربيّة ويجمعنا التاريخ بالعرب، وطوال
عقود ظلّت دمشق قلب العروبة النابض. ولا: لأنّ كثيرين من العرب تآمروا علينا،
بينما الحليف الإيرانيّ الذي وقف معنا بصلابة لا يستهويه هذا الكلام عن العرب
والعروبة، كما أنّ الأصدقاء الروس يشاركون الأصدقاء الإيرانيّين استياءهم من هذا
القاموس».
وفي فقرة أخرى يكتب رئيس التحرير: «وهل
نحن مسلمون؟ نعم ولا. نعم: لأنّ أكثريّة شعبنا تعتنق الإسلام ديناً، وقد شكّل
الإسلام جزءاً أساسيّاً من هويّتنا الحضاريّة. ولا: لأنّ العالم الذي سنتعامل معه
لا يقتصر على المسلمين، فضلاً عن أنّ الحضارة التي سننتمي انتماء عميقاً إليها لا
تقتصر على الإسلام، ناهيك عن أنّ حضارتنا تسبق قدوم الإسلام بعدّة قرون».
لكن السؤال الأهم بنظرى ونظر المتابعين او
الرسالة المهمة فى الموضوع هو سؤال ( البيرق) : «وهل نحن أعداء إسرائيل؟»، ثمّ
يجيب: «نعم ولا. نعم: لأنّنا قضينا سنوات مديدة ونحن نقول إنّنا أعداء إسرائيل،
كما أنّها لا تزال تحتلّ بعض أرضنا. ولا: لأنّ أموراً كثيرة تجمعنا بهذه الدولة
الجارة، أهمّها مكافحة الإرهاب، وهي قد تتطوّع لتحسين علاقاتنا مع الولايات
المتّحدة التي لا تزال تقيم في بلدنا، وعلينا أن نتعامل معها بما أمكن من إيجابيّة
وتفهّم. ومن يدري فإسرائيل قد تنسحب ذات يوم من الجولان وتعيده إلينا».
وبما ان البيرق ونتيجة سيطرة جبهة (
مقاولات المقاومة) فلم يعد عربيا ولم يعد مسلما ولم يعد حتى سوريا وفق ما قاله فهو
مرتهن لصالح جبهة المقاومة وفقا لسؤاله والجواب عليه : «وهل نحن سوريّون؟ نعم ولا. نعم:
لأنّنا نحمل اسم هذا البلد الذي ينطبع على جوازات سفرنا، كما أنّه الاسم الذي
تستخدمه الدول والمنظّمات الدوليّة والإقليميّة في وصفنا. ولا: لأنّنا ينبغي أن لا
نتمسّك كثيراً بهذه الصفة إذ أنّ الدول التي نتعامل معها، والتي قاتلت إلى جانبنا،
لا تحبّ مبالغتنا في الاعتزاز بالوطنيّة أو التركيز على الهويّة السوريّة. وإذا
سألَنا القارئ العزيز، أو أي مواطن شريف في القطر، عن سبب هذا الجمع المتكرّر بين
الـ«نعم» والـ«لا»، أجبناه بالتالي: هناك سببان وراء ذلك: الأوّل أنّ أعداءنا
التكفيريّين وحدهم هم الذين يتمسّكون بقناعات جامدة ونهائيّة لا يتزحزحون عنها،
ولا يرضون لها بديلاً، بل يصفونها بأنّها مقدّسة. ولأنّنا النقيض التاريخيّ
للإرهاب التكفيريّ، فإنّنا نتمسّك بأقصى المرونة والليونة، وندافع عن سيولتنا في
الأفكار، وهي وحدها ما يحمي مصالحنا. أمّا السبب الثاني فأنّنا نعيش في عصر دونالد
ترامب الذي يغيّر آراءه عدّة مرّات في اليوم الواحد، ولا بدّ أنّ هذا السلوك هو
الطريقة الحضاريّة في عالمنا الراهن».
الحاصل والمستخلص من كل هذا فى ضوء
التصريحات النارية والرسائل الودية ( لا بحبك ولا بقدر على بعدك)...
بناء على ما تقدم، فإن إسرائيل لن تدمر
إيران ولا إيران ستمحو إسرائيل، بل هي تهديدات مكررة منذ أربعين عاما، ولا يستطيع
أي من الطرفين القيام بعمل عسكري شامل ومباشر ضد الآخر، إلا إذا كان هجوما
إلكترونيا على مواقع نووية إيرانية لتحجيم البرنامج النووي الإيراني، أو ضربة
خاطفة على مواقع إيرانية أو استهداف شخصيات مهمة من النظام الإيراني أو داعمة له
في المكان الوقت المناسب. وبالتالي فسيأتي الرد الإيراني ليرفع وتيرة العمليات
الإرهابية في بلاد عربية عن طريق أفراد أو طائرات مسيرة لزيادة التوتر والإضرار
بالمصالح الأمريكية الداعم الأساسي لإسرائيل.
إن خيار الحرب بمعناها الشامل مستبعدة،
لماذا لان الحرب الحقيقة يشنها جماعة مقاولات المقاومة واعداقائهم على كل الأقطار
العربية من تفكيكها واقتسام ما يتبقى منها شعبا وأرضا وحضارة وثروات ...
0 تعليقات