عمر حلمي الغول
غابت شمس الرئيس السابق، دونالد ترامب أمس الأربعاء الموافق 20 يناير
الحالي إلى غير رجعة، وغادر البيت الابيض غير مأسوفٍ على رحيله، حتى انه غادر قبيل
حفل تنصيب الرئيس جو بايدن، تملأوه الهزيمة والحقد والكراهية والعنصرية. كانت
سنواته الأربع الماضية مشحونة بالتخبط والفوضى والعبثية وشيطنة الآخر الأميركي
والأجنبي، وتركت ندوبا عميقة في الجسد الأميركي..
بفضل تضافر الجهود الأميركية تمكن الرئيس الجديد، بايدن ونائبته، كمالا
هاريس من أداء ولاء القسم، والقى خطاب التنصيب، الذي أكد فيه على عدة أمور هامة،
أولا إنتصار الديمقراطية الأميركية؛ ثانيا انه سيكون رئيسا للكل الأميركي من
الأنصار والمعارضين؛ ثالثا شّدد على أهمية الوحدة لحماية الأمة الأميركية؛ رابعا
دعى لمحاربة الإرهاب والجريمة والفوضى الداخلية، وإعادة الإعتبار لإميركا؛ خامسا
أكد على رفض العنصرية والتفرقة العرقية بين الأميركيين؛ سادسا جزم أنه سيحارب
الفقر والجوع والمرض والتخلف، وفي السياق أكد على إعادة التأمين الصحي أو ما يسمى "أوباما
كير"؛ سابعا لم شمل الأسر، والسماح للمهاجرين من مختلف الدول بدخول الولايات
المتحدة؛ ثامنا الدفاع عن قيم التسامح والعدالة بين الأميركيين؛ تاسعا الدفاع عن
الأمة الأميركية ومكانتها العالمية؛ عاشرا كما اكد على محاربة الكورونا وكل
الأمراض، وإعادة الإعتبار للطبقة الوسطى، وتأمين وظائف جديدة للعاطلين عن العمل؛
حادي عشر أكد على إعادة العلاقات مع كل دول العالم وفق المصالح الأميركية، وعودة
العلاقات مع حلفاء أميركا جميعا، ثاني عشر الإلتزام بالإتفاقات الأميركية مع دول
العالم.
كما لوحظ ان خطاب الرئيس الأول بعد أداء القسم كان مركزا على البيت
الأميركي والشأن الداخلي بشكل اساسي، وعلى الشرخ الذي احدثته الإدارة السابقة،
وهجوم الرعاع وقطاع الطرق على مبنى الكابيتول يوم السادس من يناير الحالي (2021). وتجسيدا
لتوجهاته السياسية الجديدة، المفترض ان يوقع في اليوم الأول لولايته 17 مرسوما
تتعلق بالصحة والهجرة وإعادة العمل بإتفاقية المناخ، والعلاقة مع منظمة الصحة
العالمية والمنظمات الدولية الأخرى، التي إنسحبت منها ادارة ترامب وغيرها من
القرارات المتناقضة مع نهج الإدارة السابقة. والملاحظ ان الرئيس الديمقراطي لم
يتطرق ولا بكلمة واحدة لإسرائيل الإستعمارية.
مر اليوم الأول من تولي الإدارة الجديدة بسلام، رغم الإعلان عن وجود قنبلة
في المحكمة الدستورية الأميركية، التي تم إغلاقها، ولم يعلن عن حدوث اية تطورات
أخرى. لكن هل هذا يعني ان الولايات المتحدة الأميركية تعافت من نتائج وتداعيات
هجوم أنصار الرئيس الأفنجليكاني السابق على الكابيتول؟ هل تجاوزت بلاد العم سام
أزماتها العميقة الداخلية والخارجية؟ وهل ستحكم ادارة بايدن وهارس سيطرتها أم انها
ستواجه الصعوبات والتعقيدات نتاج مواصلة العنصريون البيض سياسة الهدم؟
من المبكر التأكيد والإقرار بأن أميركا إنتشلت نفسها من وحول العنصرية
والإرهاب والفوضى والمرض والفقر، لإن الأزمات أعمق من التمنيات والرغبات لإركان
الإدارة الجديدة، وتتجاوز كل الدعوات الطيبة والمثالية، كونها ليست أزمة خاصة
بإدارة غير المأسوف على رحيله، ترامب، رغم أنه وسع وضاعف من تجذرها في مركبات
المجتمع الأميركي، وساهم عن سابق تصميم وإصرار على أشعال فتيل كل الأزمات السياسية
والإقتصادية والإجتماعية والقانونية والثقافية والدينية والبيئية. وبالتالي ولاية
الرئيس جو بايدن على موعد شبه مؤكد مع كم كبير وغير مسبوق مع التحديات المنغرسة
والمتوطنة في بلاد راعي البقر.
مع ذلك يفترض ان ينظر لنصف الكأس الممتلىء من سياسات الإدارة البايدينية،
والرهان على انها ستعمل لترميم الجسور الداخلية والخارجية لتجاوز الأخطار الماثلة
أمامها. وهذا يحتاج منها إلى تعزيز المناخ الديمقراطي بقدر ما هو مطلوب منها
التصدي بحزم وقوة لجرائم عصابات الإرهاب العنصرية، وبخط متواز ترميم الجسور مع
الحلفاء في اوروبا وغيرها من دول العالم، وإعادة النظر بدور شرطي العالم، والعمل
مع الأقطاب الدولية الأخرى المتناقضة معها على ارضية تعميم وشائج السلام والتعاون،
والنأي عن سياسة العصا الغليظة والحروب، وايضا العمل بروح المسؤولية السياسية
العالية لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وعلى
اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والعمل لعقد مؤتمر
دولي لتكريس السلام في الشرق الأوسط.
المرحلة المقبلة من سياسة إدارة بايدن ستكون امام إختبار حقيقي، وتحت
المجهر من قبل الداخل الأميركي والخارج العالمي. لا سيما وان للولايات المتحدة يد
طولى وخندق حرب وقاعدة في مختلف بقاع الأرض، والمستقبل المنظور كفيل بتقديم
الإجابات من خلال الممارسة العملية وكيفية تعاطيها مع كل الملفات المطروحة على
الطاولة.
0 تعليقات