آخر الأخبار

مصر فى 18و 19 يناير دراسة سياسية وثائقية

 

 


 

 

 

سطور من كتاب حسين عبد الرازق حول انتفاضة يناير 77 وسوف تقودك قراءتها إلي اكتشاف الأساليب العتيقة لسلطة لا تريد أن تتعلم الدرس.

 

أغلقت سجون القلعة وطره والاستئناف وأبوزعبل والقناطر أبوابها علي 450 مصريا من الجنسين، تتهمهم مباحث أمن الدولة بالتحريض والاشتراك «وتهيئة المناخ» لأعمال العنف والتخريب في 18، 19 يناير 1977.

 

بدأت حملة سياسية وإعلامية محمومة تحاول إقناع الرأي العام بمسئولية قوي اليسار المصري كلها عن أعمال العنف والتخريب ومئات الجرحي وعشرات القتلي الذين سقطوا برصاص قوي الأمن المركزي كان الهدف تبرئة الحكومة وحزبها وسياساتها الخاطئة، وإلصاق التهمة بالقوي المعارضة لها.

 

 

ولم يتخلف مسئول كبير أو صغير عن المشاركة في الحملة وانضم إليهم جيوش المنافقين والمنتفعين، توالت تصريحات لا تستند إلي أي واقع وقبل أن يبدأ التحقيق عن توافر الأدلة المادية والشهود والاعترافات التي تقطع بمسئولية اليسار عن هذه الأحداث، وعن وجود (اتصال بجهات أجنبية خارجية تقوم بالتنسيق معها وتوجهها وتدعمها ماديا للإطاحة بالنظام القائم) وأصبحت كلمات عملاء موسكو، الخونة، الملحدون، المخربون، الحرامية، صفات شائعة تلصق بأساتذة جامعيين والمحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين والقادة النقابيين والعمال والطلبة والموظفين الملقي بهم في سجون حكومة ممدوح سالم. وشارك رئيس الجمهورية بنفسه في الحملة ووصل الأمر إلي حد مطالبته الجماهير بقتل اليساريين المسئولين عن أحداث يناير.

 

 

وبينما الحكومة تواصل حملتها البوليسية والإعلامية مسخرة جميع المنابر لخدمتها اختفت كل الأصوات الأخري خوفاً من تسرب الحقيقة.

 

 

رفضت الأغلبية الحكومية مناقشة 7 استجوابات قدمت حول أحداث 18، 19 يناير انتظارا لتقرير لجنة الأمن القومي الذي لم يقدم حتي الآن ويبدو أنه لن يقدم أبداً، بينما نظرت فورا طلبات الإحاطة المقدمة من نواب الحكومة ليستخدم السيد ممدوح سالم منبر مجلس الشعب لتكثيف هجومه واتهاماته دون معقب وعندما عقد خالد محيي الدين مؤتمرا صحفيا لشرح وجهة نظر حزب التجمع في الأحداث بعد أن حيل بينه وبين مناقشة رئيس الوزراء في مجلس الشعب امتنعت الصحف المصرية عن نشر المؤتمر علي حقيقته وشنت حملة شعواء علي خالد محيي الدين والحزب.

 

 

وأغلقت الحكومة مجلة الطليعة عندما تجرأت هيئة تحريرها وحاولت تقديم عدد من الحقائق حول أحداث يناير وتحليلها لها.

 

 

وأبعد صلاح حافظ وعبدالرحمن الشرقاوي عن رئاسة تحرير مجلة «روز اليوسف» ورئاسة مجلس إداراتها عقابا علي الموقف الذي اتخذته المجلة بكشف جانب من الحقيقة التي حاولت الحكومة إخفاءها.

 

ثم صدر القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 في 3 فبراير 77 ليجرم الكثير من الحقوق الديمقراطية السياسية ويحاصر العمل السياسي.

النيابة لاتعرف التهمة

 

-------

 

 

في هذا المناخ الذي أشاع جوا من الإرهاب والخوف، بدأت محاكم أمن الدولة في نظر تظلمات المقبوض عليهم علي ذمة محضري التحقيق (100) الخاص بالانتماء للتنظيمات اليسارية و(101) الخاص بالتحريض، عرضت التظلمات من أوامر الحبس علي الدائرة السادسة برئاسة المستشار صلاح عبدالمجيد والدائرة الرابعة برئاسة المستشار محمود بكر الصيدفي ووقعت أكثر من مفاجأة.

 

 

كانت المفاجأة الأولي أن ممثل النيابة وقف في ساحة المحكمة ليعلن -بعد الحديث عن المؤامرة التي دبرها الشيطان الأحمر- أن النيابة «لم تصل بعد إلي تحديد موقف كل متهم أو تحديد التهمة الموجهة إليه».. «وإنه سوف يكون هناك صلة بين التنظيمات الشيوعية والمحرضين».

 

 

أي أن النيابة بعد 30 يوما من القبض علي المتهمين لم تحدد بعد تهمة كل منهم وعندما أطلع المحامون علي أوراق التحقيق وجدوها لا تزيد علي سؤال وجه لكل متهم يدور حول أن مباحث أمن الدولة تتهمك بالاشتراك أو التحريض علي أحداث 18،19 يناير، وعندما ينفي التهمة، تسأله تفسيرا لهذا الاتهام من المباحث!! كانت المفاجأة الثانية خلو أوراق التحقيق من أي إشارة لما تردده أجهزة السلطة عن مخطط للاستيلاء علي السلطة ومؤامرات وقتل وتخريب وحرائق.

 

 

الشاهد الأول.. ينسف القضية

--------

 

 

بصدور قرار الاتهام واطلاع المحامين علي أوراق التحقيق بدأت حقائق جديدة تتضح حقائق لم تجد سبيلها إلي الرأي العام حتي الآن رغم مضي ما يقرب من 20 شهرا علي أحداث يناير، و16 شهراً علي إذاعة قرار الاتهام.

 

 

تقول أوراق التحقيق إن مباحث أمن الدولة ظلت صامتة لا تجيب علي طلبات نيابة أمن الدولة بتقديم ما لديها من أدلة وشهود، وأخيرا وفي يوم 5 فبراير بدأت في تقديم شهودها وأدلة إثباتها ورغم الفترة الطويلة التي استغرقتها مباحث أمن الدولة في إعداد الشهود والأدلة -مع أنها أعلنت فجر يوم 19 يناير أنها تعرف المسئولين عن الأحداث وتملك أدلة إدانتهم- فإن ما قدمته كان فضيحة حقيقية لها وربما لهذا السبب أبعد جميع المسئولين الرئيسيين عن مباحث أمن الدولة عن مواقعهم بما فيهم مدير المباحث (اللواء حسن أبوباشا) ومفتش القاهرة اللواء (فؤاد فريد) واللواء (سيد زكي) مساعده ومنير محيسن رئيس مكتب مكافحة الشيوعية بفرع القاهرة لم يشفع لهم حماسهم في الدفاع عن حكومة السيد ممدوح سالم وحزبه واتهام معارضيه فحماسهم لم يحقق للحكومة ما كانت تريده.

 

 

كان الشاهد الأول في القضية هو «العقيد محمد فتحي قتة» رئيس مجموعة النشاط المحلي بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة، طلبت النيابة سؤال العقيد أمين إسماعيل بوصفه محرر محضر طلب الإذن بضبط عناصر التنظيمات الشيوعية فأفاد بأن جميع المعلومات متجمعة لدي العقيد فتحي قتة.

 

 

فتحى قتة الشاهد الثانى

------

 

 

كانت شهادته التي أدلي بها يوم 22 فبراير مفاجأة حقيقية سأله رئيس النيابة المحقق.. «هل لدي جهاز مباحث أمن الدولة معلومات عن انخراط حزب التجمع ككل بصفته الحزبية قبل أو أثناء أو عقب اضطرابات 18 و19 يناير في أي نشاطات تخريبية ومعادية».

 

 

وجاءت إجابته قاطعة.. «بعدم وجود معلومات عن تورط هذا الحزب أو انخراطه بصفته حزبا علنيا شرعيا في أعمال تخريبية».

ثم أشار العقيد فتحي قتة إلي بعض الوقائع التي تلقي من وجهة نظره ضوءا علي حركة بعض عناصر حزب التجمع ومنها.. «قيام د.رفعت السعيد بإصدار مبرقة بالتلكس يوم 18 يناير 77 وجهت إلي مقرري الحزب بالمحافظات المختلفة يشير فيها إلي عدم تجاوب الجماهير مع القرارات الاقتصادية وضرورة التحرك لمساندة حركة الجماهير الشعبية في اتجاه رفض هذه القرارات.. ومن الملاحظ أنه في اليوم الثاني 19 يناير تزعمت بعض عناصرهم هذه المظاهرات في محافظات قنا والمنيا والسويس والشرقية والجيزة والقاهرة هذا بالإضافة إلي أن بعض النشرات التي صدرت عن الحزب في فترة ما قبل الأحداث كانت تركز علي حق الإضراب والتظاهر السلمي تحت دعوي المطالبة بحقوق الطبقات الجماهيرية المختلفة».

 

 

ورغم أن الكلام الأخير لا يحمل اتهاما فمن المفيد معرفة أن هذه المبرقة والتي اعتبرت الدليل الأول ضد التجمع في كل البيانات الرسمية استبعدت من التحقيق وأن د.رفعت السعيد المتهم بهذه البرقية أفرج عنه ولم يرد اسمه في قرار الاتهام وأن أعضاء التجمع الذين اتهموا في أحداث قنا والسويس والشرقية والجيزة إما أفرجت عنهم النيابة وحفظت التحقيق أو برأت محاكم أمن الدولة ساحتهم.

 

 

حاتم سكوب يسحب شهادته

-------

 

 

أما الشاهد الثالث، والذي لعب دورا بارزا في الاتهام يكاد يتجاوز دور ضابط مباحث أمن الدولة فهو يحتاج إلي وقفة متأنية فهو شاهد تاريخي بصورة من الصور.

 

 

الاسم: محمد حاتم محمود زهران

 

المهنة الرسمية: رئيس قسم الحركة بسنترال شبرا.

 

 

اسم الشهرة: حاتم سكوب.. أو حاتم تلستار.

 

 

المهنة الفعلية: مصدر لمباحث أمن الدولة.

 

في يوم 5 فبراير أرسل اللواء حسن أبوباشا مساعد وزير الداخلية كتابا إلي رئيس نيابة أمن الدولة العليا يبلغه فيه أن حاتم زهران «أحد مصادرنا في متابعة النشاط التنظيمي السري والمعادي».

 

 

وأمام وكيل النيابة ولمدة ثلاثة أيام متصلة أدلي حاتم زهران بشهادته والتي اعترف في بدايتها أنه يعمل لحساب مباحث أمن الدولة مع العميد سيد زكي والعقيد منير محيسن والرائد ماجد الجمال.. وفي أقواله شهد ضد 35 مواطنا دفعة واحدة: بعضهم أعضاء في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي بالسكرتارية العامة أو سكرتارية القاهرة أو قسم روض الفرج وبعضهم طلاب بجامعة القاهرة من أعضاء نادي الفكر الاشتراكي التقدمي وآخرون من كلية الهندسة جامعة عين شمس وشعراء وصحفيون وموظفون وضباط بالجيش ووجه لكل منهم تهمة من اثنين أو التهمتين معا.. الانتماء لحزب العمال الشيوعي أو التحريض والاشتراك في المظاهرات والنشاط المعادي للنظام.

 

 

وأمام المحقق أدلي بأسماء 16 شاهدهم بنفسه يقودون مظاهرات يوم 18 يناير في المناطق التالية.. أمام كلية الهندسة جامعة عين شمس -ميدان باب الشعرية العتبة - ميدان التحرير - أمام مجلس الشعب - ميدان باب اللوق - الدرب الأحمر وقال أيضا أنه «سمع» أن سكرتير حزب التجمع في القاهرة كان يقود المظاهرات عند المعرض.

 

 

وختم شهادته قائلا.. «بصراحة كل اللي أعرفهم وذكرت أسماءهم لم أر أحدا منهم يمسك طوبة أو يخرب أو يحاول التخريب أو يحرض علي العنف ولكنهم كانوا يتزعمون المظاهرات بالهتاف».

 

وكان طبيعيا أن يطلق المحامون علي حاتم زهران اسم «حاتم سكوب.. وتلستار» فقدرته الفائقة علي رؤية المظاهرات في أماكن مختلفة ومتباعدة في القاهرة خلال ساعات قليلة واكتشاف ضحاياه قدرة تتجاوز قدرة البشر.

 

 

المتهمون..الأبرياء

------

 

 

وتتوالي الأحداث التي تكشف لعبة مباحث أمن الدولة.. الشاهد الرابع محمد عزالدين عنتر شلبي الذي أدلي بأقواله ضد 4 من طلاب الهندسة وصحفي وشاعر وباحث بالجامعة أرسل برقية للنائب العام ينفي فيها أقواله التي أدلي بها بعد القبض عليه في منتصف ليلة 2 فبراير 77 بمعرفة الرائد عزت بمباحث أمن الدولة ومساومته للإدلاء أمام النيابة بأقوال طلبوها منه مقابل الإفراج عنه ويقول عنتر في إقرار موقع منه «أن التحقيق أمام النيابة تم بحضور العقيد منير محيسن والرائد مصطفي موسي مما جعلني أواجه الموقف في حالة انهيار نفسي تام وتدمير داخلي وكنت وقتها في حالة غير طبيعية مسلوب الإرادة تماما حتي أن وكيل النيابة كان يعترض أحيانا علي أسلوب ضابط المباحث أثناء التحقيق حيث كانوا يملون علي أسماء معينة لا أعرف عنها شيئا ويراد دسها في التحقيق».

 

 

وأمام محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار مصطفي عبدالوهاب يقف المتهم «أحمد مصطفي إسماعيل» والتي تشكل اعترافاته ركنا أساسيا في إقامة الاتهام ضد المتهمين الثمانين الأول.. ليعلن إنكاره لكل ما نسب إليه من اعترافات ويتهم مباحث أمن الدولة في طنطا «حيث قبض عليه» بتعذيبه وتهديده بالاغتصاب لإجباره علي الإدلاء باعترافات كاذبة وأمام المحكمة يحكي صور التعذيب التي تعرض لها في سجن القلعة الرهيب من العقيد حاتم «وهو اسم حركي لأحد ضباط الأمن القومي» وآخر اسمه «أيمن» ويخلع ملابسه في قاعة المحكمة ليشهد المحكمة علي آثار التعذيب ويسلم للمستشار مصطفي عبدالوهاب مذكرة من 8 صفحات تحكي مأساته مع مباحث أمن الدولة وإنكاره لكل الأقوال التي أجبر علي قولها في التحقيق ويطلب حمايته من المباحث وقد طالبت لجنة العفو الدولية بالتحقيق في هذا الموضوع وتوفير الحماية له.

 

 

ولا تجد النيابة ما تقدمه ضد المتهمين من الخامس والثمانين حتي السادس والتسعين فتعتمد علي تحقيقات في قضية سابقة وقعت في يناير 75 وأفرج عن كل المتهمين فيها ولم يصدر لها قرار اتهام، استخرجت النيابة هذا التحقيق بعد عامين لتقديمه كدليل علي الانضمام إلي الحزب الشيوعي المصري والمسئولية عن أحداث 1977.

 

 

وتقدم المراجعة السريعة لقرار الاتهام المزيد من الحقائق الغريبة فمن بين 176 متهما لم تقدم النيابة وقائع تتعلق بأحداث يناير إلا بالنسبة ل57 متهما فقط ومن بين 84 متهما بعضوية حزب العمال الشيوعي لم تنسب النيابة تهما تتعلق بأحداث يناير إلا ل19 فقط.

 

 

ومن بين 38 متهما بعضوية الحزب الشيوعي المصري لم تنسب إلا لثلاثة فقط وقائع تتعلق بأحداث يناير.

 

ومن بين 53 متهما بالتحريض علي الأحداث هناك 18 متهما لم تنسب إليهم النيابة أية وقائع تتعلق بتلك الأحداث.

 

ويخلو قرار الاتهام من أي شيء عن التهمة التي رددتها أجهزة الإعلام والحكومة والمباحث.. بتهمة الاتصال بالدول الأجنبية والتمويل الأجنبي.. إلخ.

 

 

وبعد فرغم كل هذه الحقائق.. ما زالت الحكومة وحزبها يتحدثان عن مؤامرة 18 و19 يناير.. المؤامرة التي دبرها حزب التجمع الوطني والتنظيمات السرية والعمالة لموسكو والخيانة.. ومن كثرة ترديد الأكاذيب صدقوا أنفسهم.. ونسوا أن في مصر قضاء.. وأن إخفاء الحقيقة لا يدوم إلي الأبد.

 

فصل من كتاب

حسين عبدالرازق

« مصر في 18و19 يناير دراسة سياسية ووثائقية»

صادر عن دار شهدي للنشر...............................................!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات